وأما إشارته عليه الصلاة والسلام بيده إلى عينيه - وهو يخبر عن عور المسيح الدجال وفي حديث أبي هريرة السابق فإنما تفيد تأكيد المعنى الحقيقي للعين على ما يليق بالله تعالى ولا يفهم منها أن عين الله جارحة كأعيننا بل له سبحانه وتعالى عين حقيقة تليق بعظمته وجلاله وقِدَمِهِ. وللمخلوق عين حقيقية تناسب حاله وحدوثه وضعفه وليست الحقيقة كالحقيقة وهذا شأن جميع الصفات التي فيها المشاركة اللفظية مع صفات المخلوق كما تقدم هذا البحث في غير موضع ().
وهذه النصوص التي ذكرناها من القرآن والسنة يراد بها إثبات صفة العين لله حقيقية على ما يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل لها بعين المخلوقين ولا تحريف لها عن مسماها في لغة العرب.
وسياق الكلام لا تأثير له في صرف تلك الكلمات عن مسماها وإنما تأثيره في المراد بالجمل التي وردت فيها هذه الكلمات ().
ومعنى ذلك أن هذه النصوص:
أولاً: تفيد إثبات صفة العين لله.
ثانياً: سياق الكلام في هذه الآيات «واصنع الفلك بأعيننا»، «واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا»، «ولتصنع على عيني»
لا يجعلنا نصرف كلمة العين عن مسماها وإنما تأثير سياق الكلام في المراد بالجمل التي وردت فيها هذه الكلمات، فالمقصود بهذه الجمل كلها هو في قوله تعالى: «واصنع الفلك بأعيننا ووحينا» أمر نوح عليه السلام أن يصنع السفينة وهو في رعاية الله وحفظه.
وفي قوله تعالى: «واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا» أمر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أن يصبر على أذى قومه حتى يقضي الله بينه وبينهم بحكمه العدل وهو مع ذلك بمرأى من الله وحفظه ورعايته.
وفي قوله تعالى: «ولتصنع على عيني» إخبار موسى عليه الصلاة والسلام بأن الله تعالى قد من عليه مرة أخرى إذا أمر أمه بما أمرها به ليربيه تربية كريمة في حفظه تعالى ورعايته.
وروى عكرمة عن ابن عباس () تفسير قوله تعالى: «واصنع الفلك بأعيننا» أنه قال رضي الله عنه بعين الله تبارك وتعالى.
قال الإمام البيهقي - بعد رواية قول ابن عباس السالف الذكر: ومن أصحابنا من حمل العين المذكورة في الكتاب على الرؤية. وقال: قوله تعالى: «ولتصنع على عيني» معناه بمرأى مني وقوله: «فإنك بأعيننا» أي بمرأى منا وكذلك قوله: «تجرى بأعيننا» وقد يكون ذلك من صفات الذات. وتكون صفة واحدة والجمع فيه للتعظيم. كقوله «ما نفدت كلمات الله».
ومنهم من حملها على الحفظ والكلاءة. وقال: إنها من صفات الفعل والجمع فيها شائع، ومن قال بأحد هذين زعم أن المراد بالخبر نفي نقص العور عن الله سبحانه وتعالى وأنه لا يجوز عليه ما يجوز على المخلوقين من الآفات والنقائص.
ثم قال البيهقي: والذي يدل عليه ظاهر الكتاب والسنة من إثبات العين صفة، لا من حيث (الحدقة) أولى. وبالله التوفيق ().
وهذا القول الذي اختاره الإمام البيهقي هو الذي عليه سلف الأمة، وأما محاولة بعض الناس حمل النصوص على خلاف ما يظهر من ألفاظها فمحاولة جهمية معروفه وأما تفسير من فسر الآيات السابقة بالرؤية مع إنكار صفة العين فشبيه بقول الجهمية القائلين: أنه تعالى سميع بلا سمع، بصير بلا بصر عليم بلا علم. وهو قول مرفوض شرعًا وعقلاً كما تقدم في غير موضع. وأما عند أهل السنة فجميع هذه الصفات تساق سوقًا واحدًا خبرية أو عقلية. ذاتية أو فعلية فتثبت بلا كيف. ولا يلزم من إثباتها تشبيه ولا تجسيم كما يظن النفاة بل يلزم من تحريف القول فيها التعطيل. وينتج من ذلك تكذيب خبر الله وخبر رسوله عليه الصلاة والسلام. هذا ما يلزم النفاة - ولا محالة - وهم كل من ينفي صفة ثابتة بالكتاب والسنة أو بالسنة الصحيحة فقط، أدركوا ذلك أو لم يدركوا. والله المستعان ().
قال ابن خزيمة: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السفلى وما في السموات العلى وما بينهما من صغير وكبير لا يخفى عليه خافية في السموات السبع والأراضين السبع ولا مما بينهما من صغير وكبير لا يخفى على خالقنا خافية في السموات السبع والأراضين السبع ولا مما بينهم ولا فوقهم (). ولا أسفل منهن لا يغيب عن بصره من ذلك شيء يرى ما في جوف البحار ولججها كما يرى عرشه الذي هو مستو عليه.
¥