وبعيداً عن نظرية الأخ الجبرين = العُلماء رحمهم الله تكلموا عن أن ليلة القدر في حسابها فرداً لا يمكن معرفته إلا بعد خروج شهر رمضان ورؤية هلال شوال، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال في مجموع الفتاوى (284/ 25): (فأجاب: الحمد لله. ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " {هي في العشر الأواخر من رمضان}. وتكون في الوتر منها. لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين. ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " {لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى}. فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع. وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى. وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح. وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر. وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي. كالتاريخ الماضي. وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " {تحروها في العشر الأواخر}) انتهى كلامه. وقد أشار إليه ايضاً المباركفوري في تحفة الأحوذي (3/ 426) ويأتي.
وعندما نربط ليلة القدر وهي ليلة الثلاثاء بكل وتر في العشر الأواخر يحتمل أن يكون الشهر ناقصاً فتكون في الحقيقة شفعاً وليس وتراً للحديث (لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى) أو كاملاً فتكون وتراً، فأصبحت ظنية.
فكيف لنا أن نجزم عقلاً بأن ليلة الثلاثاء في الوتر من العشر الأواخر هي وتر فعلاً ونحن لم نعلم هل الشهر كامل أم ناقص؟! هذا متعذر عقلاً وعلماً وحساباً، ولا يمكن ذلك إلا في حالة أنك تقول بأن دخول هلال شوال خطأ كما قلت في رمضان، وهذا جحود للنصوص الشرعية ومنها حديث (الشهر تسعة وعشرون يوماً .. والشهر ثلاثون يوماً).
وهنا يصح قول من قال من العُلماء أن ليلة القدر تنتقل في كل عام وأن هذا الانتقال مخفي لا يعلمه أحد.
كل ما تقدم هو من المسلَّمات جدلاً لك أخي الحبيب ممدوح الجبرين، وعلى فرض التنزّل في أنّ هذا التتبع ليس فيه تطاول على الأمر الغيبي الذي أخفاه الله عنا، لكن هذا الجواب هو على فرض نفي الغيبية عن العلم بليلة القدر.
ومن الأدلة العقلية على بطلان تسمية ليلة القدر بليلة الثلاثاء هو أنّ الأشهر القمرية في السنة تارةً تكون ستة أشهر كاملة والناقصة ستة أشهر، وتارةً تكون الكاملة سبعة والناقصة خمسة، فلا تكون الناقصة أكثر من ستة ولا الكاملة أكثر من سبعة في السنة، وهذا أمر مقطوع به عند الفلكيين، وأشار إليه من المتقدمين تقي الدين السبكي في كتابه (العلم المنشور في إثبات خير الشهور) ص 24، فبهذا نعلم يقيناً أن تاريخ الأيام لا يمكن أن ترتبط بمسمياتها، فالأيام تزيد وتنقص في الشهر مما يجعل تثبيت التاريخ بالمسمّى مجرّد تخرّص، وأعني بالتاريخ هنا ليس تاريخ يوم معين إنما هو تاريخ خمسة ايام وهي ليال الوتر التي ربطها الباحث حفظه الله بليلة الثلاثاء، حيث إنه لا يمكن أن تكون ليلة الثلاثاء في العشر الأواخر من رمضان إلا في وتر، وهذا مردودٌ بما تقدّم.
دليل آخر: ثبوت ليلة القدر لا يعني ثبوت اسمها.
استدل الأخ ممدوح بدليل عقلي صرف لا حظ للنص فيه حيث قال:
(فمن قول الله عز وجل عن ليلة القدر نعلم بأنها ليلة واحده ثابت اسمها ومن قول الرسول صلى الله عليه وسلم نعلم بأنها تنتقل في ليالي الوتر 21 و 23 و 25 و 27 و 29 وهي تنتقل من وتر في سنه الى وتر في السنة الاخرى الى وتر في السنة التاليه لها ولكنها بنفس الاسم لا يتغير اسمها ابدا.)
قول الله سبحانه وتعالى (ليلة القدر) وفهمنا للآية أنها ليلة ثابتة لا يعني أن اسمها ثابت، فماهو المعنى المراد من ثبوت الاسم وعدم ثبوتها في العشر؟
وما الرابط الشرعي والعقلي الذي جعلنا نربط أن ليلة القدر تنتقل وهي ثابتة وخرجنا بهذا الرابط الوهمي هو أن اسمها ثابت.
الفصل الثالث: بطلان تسمية ليلة القدر من الناحية الشرعية
¥