لا يكون روحيًا ولا يتصل إلى علو وعمق الأَفكار والصلوات الموجودة فيه. وإذا قابلناه بمؤلفات الآباء رأَينا بينه وبينها بونًا عظيمًا حتى نضطر للحكم أَنه لم يكن منهم من كان قادرًا على تأْليف كهذا، بل لم يكن بين التلاميذ من يقدر عليه إلا يوحنا، ويوحنا ذاته لا يستطيع تأْليفه بدون إلهام من ربه. اهـ.
أَقول: إن من عجائب البشر أَن يقول مثل هذا القول أَو ينقله معتمدًا له عالم طبيب كالدكتور بوست فإنه كلام لا يخفى بطلانه وتهافته على الصبيان، ولا أًَعقل له تعليلاً إلا أَن يكون تصنعًا وغشًا لارضاء عامة النصارى لا لإرضاء اعتقاده ووجدانه، أَو يكون التقليد الديني من الصغر قد ران على قلب الكاتب فسلبه عقله واستقلاله وفهمه في كل ما يتعلق بأَمر دينه.
وإليك البيان بالإيجاز:
إن الدكتور بوست من أَعلم الأوربيين اللذين خدموا دينهم في سورية وأَوسعهم اطلاعًا، وهو يلخص في قاموسه هذا أَقوى ما بسطه علماء اللاهوت في إثبات دينهم وكتبهم ورد اعتراضات العلماء عليها. فإذا كان هذا منتهى شرطهم في إثبات إنجيل يوحنا الذي هو عمدتهم في عقيدة تأْليه المسيح، فما هو الظن بكلام المؤرخين الأَحرار والعلماء المستقلين في إبطال هذا الإنجيل؟
إبتدأَ رده على منكري هذا الإنجيل بأَن بطرس أَشار إلى آية منه في رسالته الثانية. فهذا أَقوى برهان عندهم على كون هذا الإنجيل كتب في العصر الأول.
فأول ما نقوله في رد هذا الدليل الوهمي أَن رسالة بطرس الثانية كتبت في بابل سنة 64، 68 كما قاله صاحب كتاب (مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين) وانجيل يوحنا كتب سنة 95 أَو 98 على ما اعتمده بوست وصاحب هذا الكتاب وسائر علماء طائفتهم (البروتستانت) فهو قد أُلف بعد كتابة رسالة بطرس بثلاثين سنة أَو أَكثر على رأْيهم، فإذا وافقها في شيء فأَول ما يخطر في بال العاقل أَنه نقله عنها وإن أُلف بعدها بعدة قرون، فكيف يكون ذلك دليلاً على صحته؟ ولو لم يكن في رد هذه الشبهة الواهية إلا احتمال نقل المتأَخر وهو مؤلف انجيل يوحنا عن المتقدم وهو بطرس لكفى، وهم جازمون بتقدمه عليه وإن لم يكن عندهم تاريخ صحيح لأَحد منهما، بل تاريخ ولادة الههم وربهم الذي يؤرخون به كل شيء فيه خطأ كما حققه يعقوب باشا أَرتين وغيره.
ونقول (ثانيًا): إننا قابلنا بين –2 بط 1: 14 - وبين –يو 21: 18 - فلم نجد في كلام بطرس في ذلك العدد إشارة واضحة إلى ماذكره يوحنا. فعبارة بطرس التي سموها شهادة له هي قوله –عالمًا أَن خلع سكني قريب كما أَعلن لي ربنا يسوع المسيح أَيضًا- وعبارة يوحنا المشهود لها هي أَن المسيح قال لبطرس –الحق الحق أَقول لك لما كنت أَكثر حداثة كنت تمنطق ذاتك وتمشي حيث تشاء. ولكن متى شخت فإنك تمد يدك وآخر يمنطقك ويحملك حيث لا تشاء-.
فمعنى عبارة بطرس أَنه يستبدل مسكنه باختياره ويرحل عن القوم الذين يكلمهم. ومعنى عبارة المسيح أَنه إذا شاخ وهرم يقوده من يخدمه ويشد له منطقته، فإن فرضنا أَن بطرس كتب هذا بعد يوحنا لم يكن فيه أَدنى شبهة على تصديق يوحنا في عبارته هذه، فضلاً عن تصديقه في كل إنجيله، فما أَوهى دينًا هذه أسسه ودعائمه!
ذكرني هذا الاستدلال نادرة رويت لي عن رجل هرم من صيادي السمك- ولا أذكر هذا الوصف تعريضًا بتلاميذ المسيح عليه السلام وعليهم الرضوان- قال: إن رجلاً غريبًا من الدراويش علمه سورة لا يعرفها أحد من خلق الله سواهما إلا أَن خطيب البلد يحفظ منها كلمتين يدلان على أَصلها. وأَول هذه السخافة التي سماها سورة:
الحمد لله الذين المددا. عند النبي أَشهدا، نبينا محمدًا، في الجنان مخلدا، أَجت فاطمة الزهرا، بنت خديجة الكبرى، آلت لو يابابتي يابابتي علمني كلمتين الخ. والكلمتان اللتان يحفظهما الخطيب منها هما فاطمة الزهرا، وخديجة الكبرى، رضي الله عنهما، لأَنه كان يقول في دعاء الخطبة الثانية بعد الترضي عن الحسن والحسين، وارض اللهم عن أَمهما فاطمة الزهرا، وعن جدتهما خديجة الكبرى.
ولا يخفى على القاريء أَن الاتفاق بين هذه الأَسجاع العامية وخطبة خطيب البلد في تينك الكلمتين أَشهر من الاتفاق بين رسالة بطرس وانجيل يوحنا، بل ليس بين هذا الإنجيل وهذه الرسالة اتفاق ما فيما زعموه تكليفًا وتحريفًا للعبارة عن معناها.
¥