ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[04 - 01 - 04, 11:23 م]ـ
أحسنتم يا شيخ عبدالرحمن ... بارك الله فيكم
يتبع:
من وسائل درء الشبهات والتشكيك:
1 - الاحتراس من التأثير الخفي للشبهات:
وذلك إما من كثرة ممارسة المناظر والرَّادِّ لأنواع الشبهات والتعامل معها وتردادها.
وإما من إيرادها على ضعيف الإيمان والعلم.
فمن كان على أحد هذين فليحترس من تقحُّم ما لا يحسن فيضرُّ نفسه أو غيره بالوقوع في شكوك الشبهات وإيراداتها على القلب.
قال ابن القيِّم رحمه الله تعالى: ((فإذا وردت على قلب الزائغ أو الجاهل أدنى شبهة قدحت فيه الشك والريب.
بخلاف الراسخ في العلم فإنه لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ولا قدحت فيه شكَّاً؛ لأنه قد رسخ في العلم فلا تستفزه الشبهات، بل إذا وردت عليه ردَّها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة.
فلا يغتر بذلك بل يجاوز نظره إلى باطنها وما تحت لباسها، فينكشف له حقيقتها.
ومتى لم يباشر القلب حقيقة العلم قدحت الشبهات في قلبه الشك وبأول وهلة، فإن تداركها وإلاَّ تتابعت عليه أمثالها حتى يصير شاكاً مرتاباً.
وأيما قلب ركن إليها تشرَّبها وامتلأ بها؛ فينضح بها وتتفجَّر على لسانه وجوارحه الشكوك والشبهات والإيرادات، فيظنُّ الجاهل أنَّ ذلك لسعة علمه، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه.
وقال لي شيخ الإسلام [يعني ابن تيميَّة] رضي الله عنه، وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيراد: (لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة؛ فيتشرَّبها فلا ينضح إلاَّ بها.
ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمرُّ الشبهات بظاهرها ولا تستقرّ فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته.
وإلاَّ فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمرُّ عليها صار مقرَّاً للشبهات) أو كما قال.
فما علمت أني انتفعت بوصيَّةٍ في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك.
وإنا سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل، وأكثر الناس أصحاب حسن ظاهر.
فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس فيعتقد صحتها.
واما صاحب العلم واليقين، فانه لا يغتر بذلك بل يجاوز نظره الى باطنها، وماتحت لباسها؛ فينكشف له حقيقتها.
ومثال هذا الدرهم الزائف؛ فإنه يغتر به الجاهل بالنقد نظراً إلى ما عليه من لباس الفضة.
والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك فيطَّلع على زيفه.
فاللفظ الحسن الفصيح هو للشبهة بمنزلة اللباس من الفضة على الدرهم الزائف، والمعنى كالنحاس الذي تحته، وكم قد قتل هذا الاعتذار من خلق لا يحصيهم إلا الله.
وإذا تأمل العاقل الفطن هذا القدر وتدبَّره رأى أكثر الناس يقبل المذهب والمقالة بلفظ، ويردُّها بعينها بلفظ آخر، وكم رُدَّ من الحق بتشنيعه بلباس من اللفظ قبيح.
وقد رأيت أنا من هذا في كتب الناس ما شاء الله.
وكم رد من الحق بتشنيعه بلباس من اللفظ قبيح.
وفي مثل هذا قال أئمة السنة - منهم الإمام أحمد - وغيره: (لا نزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة شنعت).
فهؤلاء الجهمية يسمون إثبات صفات الكمال لله من حياته وعلمه وكلامه وسمعه وبصره وسائر ما وصف به نفسه = تشبيهاً وتجسيماً، ومن أثبت ذلك مشبهاً.
فلا ينفر من هذا المعنى الحق لأجل هذه التسمية الباطلة.
إلا العقول الصغيرة القاصرة خفافيش البصائر.
وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من الالفاظ، ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من الألفاظ.
ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف به حقيقة ما تحت تلك الألفاظ من الحق والباطل ولا تغتر باللفظ.
كما قيل في هذا المعنى:
تقول هذا جنى النحل تمدحه * * * وان نشأ قلت ذا قيء الزنابير
مدحاً وذماً وما جاوزت وصفهما * * * والحق قد يعتريه سوء تعبير
فإذا اردت الاطلاع على كنه المعنى هل هو حق او باطل فجرده من لباس العبارة، وجرِّد قلبك عن النفرة والميل، ثم اعط النظر حقه، ناظراً بعين الانصاف.
ولا تكن ممن ينظر في مقالة أصحابه ومن يحسن ظنه نظراً تاماً بكل قلبه، ثم ينظر في مقالة خصومه وممن يسيء ظنه به كنظر الشزر والملاحظة.
....
وكون العبد يغترُّ بأول عارض من شبهة دليل على ضعف عقله ومعرفته، إذ تؤثر فيه البداءات ويستفز بأوائل الأمور.
¥