(النزول) و (عدم الخلو) ليسا نقيضان أصلاً حتى نقول لا يجتمعان، ولا يحصل الإشكال إلا عند اجتماع نقيضين حقيقيين كما لو قلنا (نزول) و (وارتفاع) أو كمن يقول:"سميع لكن ليس له سمع" (لأن هذا الأخير جمع بين الوجود والعدم) وغيرها ممّا يماثلها. ولمّا كانا غير نقيضان لم يكن اجتماعهما من محالات العقول وإنما من محاراتها وقد وجدت محارات عقلية في عالم الشهادة في قراءات لي متفرقة عن الفيزياء الكمومية، وهي ثابتة بالحساب الرياضي (أي أنها لم تخالف العقل وإن كان ليس لها وجود حقيقي في الخارج، وما ثبت بالحساب الرياضي فقد ثبتت صحته في نفسه ولا يلزم ثبوت صحة وجوده) هذا فيما يتعلق بالمواد غير العاقلة فكيف بالله تعالى الذي ليس كمثله شيء؟.
ولذلك عقلاً - على وجه التقريب - يمكن اجتماع النزول وعدم الخلو، فلو كنت أنا جالساً على كرسي ويوجد في الأرض شيء أريد أن التقطه فإنه يمكنني النزول لإلتقاطه مع بقائي في الكرسي. هذا طبعاً تقريب لأذهاننا الفقيرة. أوليس الله الذي ليس كمثله شيء وله المثل الأعلى أولى بذلك على الوجه اللائق به.
ولذلك فأنسب ما يقابل "الخلو" هو "عدم الخلو" وليس "النزول" أو قل وجوده تعالى على العرش وعدم وجوده عليه في وقت احد، لو قيل بهذا نقول محال لأنه جمع بين ما لا يجتمع وهذا - لو فرّقنا بين لوازم معنى النزول ولوازم معنى الخلو - غير متحقق في الجمع بين "النزول" و "عدم الخلو".
ولي رسالة مختصرة أسميتها "رفع اللبس عن حديث سجود الشمس" على هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=30220&highlight=%D1%DD%DA+%C7%E1%E1%C8%D3+%CD%CF%ED%CB+% D3%CC%E6%CF+%C7%E1%D4%E3%D3
وفي هذه الرسالة أجوبة على إشكال الجمع بين سجود الشمس تحت العرش و وعدم توقفها بحيث تغرب وتشرق دون وقوف، كيف يكون هذا؟ والمقصد من الإحالة على هذه الرسالة القصيرة هو لفت النظر إلى وجود محارات عقلية كبيرة عندنا في عالم المادة تجاوزناها للحديث عن محارات أعظم وأخفى منها تتعلق بذات الله تعالى. كما أن المقصود الإشارة إلى أن الجمع قد يكون صعبٌ جداً ولكنه ممكن عقلاً على حسب الاجتهاد وما يفتح الله به على مريد الحق
=============
تنبيه: لاحظوا هذا الأثر: حدث أحمد بن موسى بن بريدة، عن أحمد بن عبد الله بن محمد بن بشير، عن الترمذي: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: اجتمعت الجهمية إلى عبد الله بن طاهر يوماً، فقالوا له: "أيها الأمير، إنك تقدم إسحاق وتكرمه وتعظمه، وهو كافر يزعم أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ويخلو منه العرش".
الملاحظة: لاحظوا كيف أقحم المبتدعة خلو العرش وجعلوه من لوازم النزول وهذا خطأ من الأصل. إذاً فالخلاصة هي في معرفة المتناقضات الحقيقية لأن هذا يساعدنا في التفريق بين اللوازم الممكنة وغير الممكنة، وعليه يسهل الجواب ويتيسر الجمع.
ـ[عبد]ــــــــ[14 - 06 - 05, 04:40 م]ـ
وقد يقول قائل: ((المثال الذي ضربته على التدلي وليس على النزول؟)) فنقول هذا صحيح ولكن التدلي صورة من صور النزول فكل تدلّ نزول وليس كل نزول تدلّ. والمثال السابق الذي ضربته هو للدلالة بالتقريب على ان الإنسان الضعيف يستطيع أن يبقى على كرسيه وينزل ليأخذ شيئاً على الأرض ولكن نوع نزوله هنا تدل. إذا كان هذا صحيحاً في حق الانسان، فلم لا يحتمل نزول الله كيفية نزول على الوجه اللائق به تعالى؟
هل المقصود إذاً أن الله تعالى يتدلّى؟ الجواب: لا، ليس المقصود إثبات التدلي وإنما المقصود إثبات ما يحتمله معنى النزول من الدلالات المختلفة من حيث الكيفية. بل إن التدلي يعني التعلق قال في اللسان: ((وتَدَلَّى) تَدَلَّلَ ومن الشَّجَرِ تَعَلَّقَ))، والله لا يتعلق سبحانه لأن الشيء المعلّق مفتقر إلى ما يمسكه كي لا يسقط والله ليس كذلك سبحانه. فإذا ثبت احتمال معنى النزول لكيفيات مختلفة كما مر هنا فلِمَ لا نحمل نزول الله تعالى على إحدى هذه الكيفيات التي نجهلها وتليق به سبحانه وتعالى.
ولذلك حتى في عالم الشهادة مما نعرفه وندركه، لو قيل لنا أن فلان من الناس نزل إلى المكان الفلاني ولكن دون ان نرى ذلك، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون إدراكنا لصفة نزوله بالإخبار كإدراكنا لصفة نزوله بالمعاينة. فما بالك بالله تعالى؟
والشيء الآخر أن هنا فارقة لغوية وهي أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((ينزل الله إلى سماء الدنيا)). ولم يقل: ((ينزل عن العرش)) كما تقول العرب:"نزل الرجل عن دابته"، ولكنهم المبتدعة الذين توهموا التماثل والتكافؤ بين قولنا:"نزل عن الشيء" وقولنا:"نزل إلى الشيء"، فقالوا بلزوم خلو العرش وهذا خطأ بيّن.
وانظر مثلاً كيف هو الاختلاف بين قولك: (استوى إلى الشيء) و قولك: (استوى على الشيء)، فالأول لا يستلزم الجهة والثاني يستلزمها. فكذلك قولك: (نزل عن الشيء) وقولك: (نزل إلى الشيء) فالأول يسلتزم الجهة والانفصال والتخلّي والثاني لا يستلزم ذلك.
¥