تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم قال شيخ الإسلام بعد أن ذكر الاختلاف في التصوف: "والتحقيق فيه أنه مشتمل على الممدوح والمذموم كغيره من الطريق، وإن المذمم منه قد يكون اجتهاديا وقد لا يكون، وإنهم في ذلك بمنزلة الفقهاء في الرأي، فإنه قد ذم الرأي من العلماء والعباد طوائف كثيرة، و القاعدة التي قدمتها تجمع ذلك كله، وفى المتسمين بذلك من أولياء الله وصفوته وخيار عباده مالا يحصى عده، كما في أهل الرأي من أهل العلم والإيمان من لا يحصى عدده إلا الله والله سبحانه اعلم".

على أن النقول في ذم الصوفية المتقدمين بهذا الاسم عن الأئمة التي أشرت إليها سابقاً لاتثبت، وإن ثبت بعضها فليس بحجة لك وهذه إشارات سريعة كافية ببيان ما ذكر:

- فما نقلته عن مالك لايثبت عنه فإن النصيبي –وبالمناسبة هو واحد في الكتابين تصحف في ترتيب المدارك إلى المسيبي- لايعول عليه وخصوصاً عن مالك فمن قواه نص على أنه يغرب في مالك، وهناك من اتهمه بالوضع واطرحه مطلقاً. ثم إن ما أنكره مالك في هذه القصة أنكره غيره من متصوفة عصره ومن بعدهم من المستقيمين. [يمكن أن نتناقش في ثبوت هذا عنه بتفصيل بعد المسألة الأولى التي بدأت].

- أما الشافعي فكلامه في التغبير ثابت بنصه أو نحوه، وقد عرضت ما يكفي جواباً على استدلالك به فإن كثيراً من أئمة التصوف المتقدمين ومن معاصريه لم يقعوا فيه بل حذر بعضهم منه. وعليه فإن الزنادقة الذين عناهم ليس فيهم من سمي لك، وأنت تقول الصوفية متقدمهم ومتأخرهم زنديق، والشافعي يقول من أحدث التغبير زنديق، وقد تبين أنه لم يحدثه أئمتهم المتقدمين والحمد الله. وقد خالف الإمام الشافعي في حكمه على التغبير غيره من الأئمة ولعله تأت الإشارة إليه. وأما الآثار الباقية فصحيحة غير أثر ابن المولد فهو مرسل بينه وبين الشافعي أكثر من قرن، وأثر ابن الجوزي لم يذكر سنده، وكل هذه الآثار لاتدل على ما ذهبت إليه من حكم على القوم بالقبورية والزندقة، ولاسيما متقدميهم، وكلام الشافعي يحمل على طوائف من الجهال، وليس فيه حتى تبديع لهؤلاء الجهال الذين فيهم المبتدع حقاً!

- وأما الإمام أحمد فذمه للتغبير وقوله إنه بدعة كان أولاً ثم كرهه ونهى أن يقال بدعة على خلاف سوف يأتي بيانه، مع أني لا أناقشك هل حدثت في متقدمي المتصوفة من الأئمة بدع أولا؟ ولكن محل النقاش هل أولئك قبورية؟ هل هم زنادقة؟ بل هل خرجوا من دائرة أهل السنة؟ وأما ذم الإمام أحمد لمن خالف الشرع أياً كان مذهبه ولو كان ابنه فهذا معروف عنه رحمه الله.

وأما التغبير فقد ثبت عنه قولاً آخر -بعد أن استمع للحارث المحاسبي ولآخرين- وهذا معروف في كتب الحنابلة، نقل ابن مفلح وغيره أنه كره التغبير ونهى عن استماعه وقال: بدعة ومحدث. ونقل أبو داود: لا يعجبني، ونقل يوسف: لا يستمعه، وقيل: هو بدعة؟ قال: حسبك. قال في المستوعب منع من اسم البدعة عليه ومن تحريمه، لأنه شعر ملحن كالحداء، والحدو للإبل ونحوه، واحتج قبل هذا بكراهة أحمد له على تحريم الغناء، ومن علم أنه إذا سمعه زال عقله حرم، وإن كان تارة وتارة لم يكره، ذكره في الفنون، ويتوجه: يكره، قال: والوعاظ المنشدون لغزل الأشعار وذكر العشاق كالمغني والنائح يجب تعزيرهم، لأنهم يهيجون الطباع. ونقل إبراهيم بن عبد الله القلانسي أن أحمد قال عن الصوفية: .. إلخ ما تعرفه.

وخبر رجوع الإمام أحمد عن القول بأن التغبير بإطلاق بدعة معروف، أشار إلى ما يثبته الخطيب البغدادي في ترجمة ابن الخبازة بسند صالح إن شاء الله، وكذلك ما نقل من خبر الحارث بسند صحيح إن شاء الله، فالأقرب أن الإمام مال إلى التفصيل فيه بعد.

- أما ما نقلته عن شيخ الإسلام في الشأن الذي دار بين الإمام أحمد وسري السقطي، فهذه القصة ذكرها يعقوب بن الحنبلي في كتاب الحروف وهو أحد تلاميذ أبي يعلى الفراء [بينه وبين الإمام مفاوز]، ولاندري –مع اشتهارها- ما سنده فيها فهل وقفت عليه؟ خاصة وأن شيخ الإسلام لم يجزم بها وذكرها فيما هو معروف يحكى. ثم كنت أتمنى أن تكمل النقل عن شيخ الإسلام لنتبين حكمه على سري وعلى موقف الإمام أحمد منه، قال شيخ الإسلام بعد أن ذكر ما نقلتم: "وهذا الكلام لم يقله بكر بن حبيش، والسري، ونحوه من العباد، إلا ليبينوا الفرق بين من لا يفعل إلا ما أمر به، ومن يعتمد بما لم يؤمر به من البدع، وهذا مقصود صحيح،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير