تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال أيضاً: "والأئمة المشائخ الكبار لم يحضروا هذا السماع المحدث، مثل الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، وأمثالهم. ولا أكابر الشيوخ المتأخرين: مثل الشيخ عبد القادر، والشيخ عدي، والشيخ أبي مدين، والشيخ أبي البيان، والشيخ أبي القاسم الحوفي، والشيخ علي بن وهب، والشيخ حياة، وأمثالهم. وطائفة من الشيوخ حضروه ثم رجعوا عنه. وسئل الجنيد عنه فقال: من تكلف السماع فتن به، ومن صادفه السماع استراح به، فبين الجنيد أن قاصد هذا السماع صار مفتوناً، وأما من سمع ما يناسبه بغير قصد فلا بأس.

فإن النهي إنما يتوجه إلى الاستماع دون السماع. ولهذا لو مر الرجل بقوم يتكلمون بكلام محرم لم يجب عليه سد أذنيه؛ لكن ليس له أن يستمع من غير حاجة، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلَّم ابن عمر بسد أذنيه لما سمع زمارة الراعي؛ لأنه لم يكن مستمعاً بل سامعاً.

وقول السائل وغيره: هل هو حلال؟ أو حرام؟ لفظ مجمل فيه تلبيس. يشتبه الحكم فيه، حتى لا يحسن كثير من المفتين تحرير الجواب فيه؛ وذلك أن الكلام في السماع وغيره من الأفعال على ضربين ... "إلخ. أهـ المراد من الفتاوى.

ولعل المقام ليس لتفصيل هذا أو ذكر من أجاز السماع من أئمة السلف في مقابل قول الإمام الشافعي، وليس مقام ترجيح رأي في هذا المجال، إن كنت أكره حتى ما يسمى بالأناشيد الإسلامية ولا أرى أن يصرف طالب العلم وقته بسماعها.

ولكن المقصود بأن السماع أول ما ظهر أنكره أئمتهم المتقدمين، ولم يحضروه فقد ذكر شيخ الإسلام أيضاً في موضع آخر أن في كلام طائفة من هؤلاء النهي عنه. وذكر رجوع الجنيد عنه.

وذكروا عنه قوله: إذا رأيت المريد يُحب السماع فاعلم أن فيه بقية من البطالة. ونحوه مروي عن أبي حفص الحداد منهم.

أقول هذا على أن الصواب التفصيل في حكم التغبير وعدم صحة إطلاق البدعة عليه كما نص عليه الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام وسوف تأت الإشارة إلي كلام الإمام أحمد رحمه الله.

فكيف تحكم رحمك الله بقول الشافعي على من قال نفس قول الشافعي يرحمه الله من أئمة التصوف المتقدمين؟!

ثم إن قول الإمام الشافعي: "أحدثه الزنادقة" يشغلون به الناس ... تفريق بين المحدثين للسماع، وبين المنشغلين به، فكأنه نمى إلى علمه أن من أحدثه بعض الزنادقة فشغلوا به جهال المتصوفة وعامتهم وهم الناس فهم من يشهده ليس غيرهم في الغالب. وقد علمت أن كبار الطائفة المتقدمة وأئمتهم لم يكونوا يحضروه أصلاً فتعين أن الزنادقة غيرهم ولايعنيني تعينهم فالشافعي لم يعينهم عليه رحمة الله.

ومع ذلك أنا لا أنكر أن بعض الأئمة ولاسيما بعض أتباع الأربعة ذم الصوفية مطلقاً، كما أن فيهم من أثنى عليهم مطلقاً، ولا أخالفك في أن مالك ((حكي)) عنه شيء من ذم ((بعضهم))، وأن الشافعي أثر عنه ذمهم بما لايوجب تبديعاً أو حكماً شنيعاً على الطائفة المتقدمة، ولكن الذي يظهر لي أن ذمه متجه إلى طائفة من الجهلة التي كان ينكر أفعالها أئمة الصوفية أنفسهم، كشأن ذمهم جهلة عوام أهل السنة في أبواب أخرى. فعامة المتصوفة كعامة أهل السنة فيهم السابق بالخيرات وفيهم الظالم وفيهم المقتصد، ومن هؤلاء من يقع في البدعة بغير اجتهاد، ومنهم باجتهاد قد يكون مقبولاً وقد لايكون، كشأن أتباع المذاهب المعتبرة من عامة أهل السنة.

ولئن أثر ذم بعضهم فقد أثر كذلك مدح آخرين منهم ويبقى الحق ما دلت عليه السنة والحكم بغير حجة جور لايجوز وتعميمه من هذاالقبيل، ولعلك ترى ما عليه كثير من المتأخرين من تقليد مقيت في الأحكام الشرعية، وأنت لاتسوغه فكيف تسوغ الحكم على أشخاص اختلف فيهم بمحض التقليد؟

وقد ذكر شيخ الإسلام أن أهل العلم تكلموا في التصوف مدحاً وذماً فالاختلاف حاصل وإن لم يكن الاختلاف في التصوف المتقدم [القرن الثاني والثالث] يصل بحال إلى تكفير أهله جملة أو رمي عامتهم بالزندقة وربما أثر ذلك عن أفراد منهم ظلموا فيما رموا به أو لم يثبت عنهم ما اتهموا به.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير