تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذه بعض الشواهد لقول الإمام مالك -رحمه الله- ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة))، والمقصود هنا هو الإشارة إلى بعض الشواهد فقط، وإلاّ فإنَّ استقصاء ذلك يطول.

المبحث الثالث: ذكرُ نظائر هذا الأثر مما جاء عن السلف الصالح

إنَّ لقول الإمام مالك -رحمه الله- هذا نظائرَ كثيرةً جداًّ عند أئمّة السلف وأهل العلم، وسوف أتناول في هذا المبحث -إن شاء الله- ذكر بعض نظائره، لكن يحسن قبل ذلك الإشارةُ إلى أنَّ هذا اللفظ المنقول عن مالك والمشهور عنه -رحمه الله- قد سبقه إليه شيخُه ربيعةُ الرأي، ويُروى قبل ذلك عن أمِّ سلمة زوج النبي ? لكن من وجه لا يثبت عنها -رضي الله عنها-.

روى اللالكائي في شرح الاعتقاد، والصابوني في عقيدة السلف، وابن قدامة في إثبات صفة العلوّ، والذهبي في العلوّ من طريق أبي كنانة محمد بن الأشرس الورّاق، حدّثنا أبو عمير الحنفي، عن قُرَّة بن خالد عن الحسن، عن أمِّه، عن أمِّ سلمة في قوله تعالى: ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? قالت: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر)) ().

قال شيخ الإسلام: ((وقد رُوي هذا الجواب عن أمِّ سلمة -رضي الله عنها- موقوفاً ومرفوعاً، ولكن ليس إسناده مما يُعتمد عليه)) ().

وقال الذهبي: ((هذا القول محفوظ عن جماعة كربيعة الرأي، ومالك الإمام، وأبي جعفر الترمذي، فأما عن أم سلمة فلا يصح؛ لأنَّ أبا كنانة ليس بثقة، وأبو عمير لا أعرفه)) ().

وقال الذهبي في ذيل ديوان الضعفاء والمتروكين عن ابن الأشرس: ((له مناكير، ليس بشيء)) ().

أما أثرُ ربيعة الرأي فقد رواه اللالكائي في شرح الاعتقاد وابن قدامة في العلوّ من طريق يحيى بن آدم عن ابن عيينة قال: سئل ربيعة عن قوله: ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى؟، قال: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق)) ().

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((روى الخلال بإسناد كلهم ثقات عن سفيان بن عيينة قال: سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن .. )) فذكره ().

ورواه الذهبي في العلوّ من طريق النجَّاد قال: حدّثنا معاذ بن المثنى حدّثني محمد بن بشر حدّثنا سفيان [وهو الثوري] قال: ((كنت عند ربيعة بن أبي عبدالرحمن ... )) فذكره ().

قال الألباني: ((وهو صحيح)) ().

ورواه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عبد الله بن صالح بن مسلم قال: سئل ربيعة الرأي عن قول الله -تبارك وتعالى-: ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى؟، قال: ((الكيف مجهول، والاستواء غير معقول، ويجب عليَّ وعليكم الإيمان بذلك كلِّه)) ().

هكذا لفظه: ((الكيف مجهول، والاستواء غير معقول))، وهو مخالف للفظ السابق في الطريقين المتقدِّمين، وفي إسناده عبد الله بن صالح بن مسلم وهو أبو صالح المصري كاتب الليث، قال الحافظ في التقريب: ((صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة)).

ثم هو أيضاً لم يدرك ربيعة، فقد كان مولده سنة سبع وثلاثين ومائة كما في ترجمته في تهذيب الكمال ()، وكانت وفاة ربيعة الرأي على الصحيح كما في التقريب لابن حجر () سنة ست وثلاثين ومائة.

أورد هذه الآثار الثلاثة ـ أعني أثر أم سلمة وربيعة ومالك ـ ابنُ قدامة في كتابه ((ذمّ التأويل)) ثم قال: ((وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعنى واللفظ، فمن المحتمل أن يكون ربيعة ومالك بلغهما قول أم سلمة فاقتديا بها وقالا مثل قولها لصحته وحسنه وكونه قول إحدى أزواج النبي ?، ومن المحتمل أن يكون الله تعالى وفقهما للصواب وألهمهما من القول السديد مثل ما ألهمها)) ().

وقد تقدّم أنَّ أثر أم سلمة -رضي الله عنها- لم يثبت عنها، فلم يبق إلاّ الاحتمال الثاني وهو أنَّ الله وفقهما للصواب وألهمهما هذا القول السديد، وربما أنَّ مالكاً -رحمه الله- سمعه من شيخه فاقتدى به، أو أنَّه لم يسمعه منه ولكن وُفِّق إليه كما وُفِّق إليه شيخه.

وذكر الذهبي في كتابه الأربعين أنَّ هذا الأثر يروى أيضاً عن وهب بن منبِّه ()، لكن لم أقف عليه في مصادر التخريج.

ويشبه تماماً قولَ ربيعة ومالك هذا قولُ أبي جعفر الترمذي (ت295هـ) -رحمه الله- عندما سُئل عن صفة النزول.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير