تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

6 ـ وسئل أبو علي الحسين بن الفضل البجلي عن الاستواء وقيل له: كيف استوى على عرشه؟، فقال: ((أنا لا أعرف من أنباء الغيب إلاَّ مقدار ما كُشف لنا، وقد أعلمنا جلّ ذكره انَّه استوى على عرشه ولم يخبرنا كيف استوى)) ().

7 ـ وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: ((أما الكلام في الصفات، فإنَّ ما روي منها في السنن الصحاح، مذهبُ السلف إثباتُها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قومٌ فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين، فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والقصدُ إنَّما هو سلوك الطريقة المتوسّطة بين الأمرين، ودينُ الله تعالى بين الغالي فيه والمقصِّر عنه، والأصلُ في هذا أنَّ الكلام في الصفات فرعُ الكلام في الذات، ويُحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوماً أنَّ إثبات ربِّ العالمين إنّما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنَّما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا: لله يدٌ وسمعٌ وبصرٌ، فإنَّما هي صفاتٌ أثبتها الله لنفسه، ولا نقول: إنَّ معنى اليد القدرة، ولا إنَّ معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول: إنَّها جوارح، ولا نشبّهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارحُ وأدوات للفعل، ونقول: إنَّما وجب إثباتها؛ لأنَّ التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله: ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ?، ? وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ?)) ().

8 ـ وقال أبو منصور معمر بن أحمد: ((ولما رأيت غربة السنة، وكثرة الحوادث واتباع الأهواء أحببت أن أوصي أصحابي وسائر المسلمين بوصية من السنة وموعظة من الحكمة، وأجمع ما كان عليه أهل الحديث والأثر، وأهل المعرفة والتصوف من السلف المتقدّمين، والبقية من المتأخرين ... ـ فذكر أموراً- ثم قال: وأنَّ الله ? استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل، فالاستواء معقول، والكيف فيه مجهول، والإيمان به واجب، والإنكار له كفر، وأنَّه –جلّ جلاله- مستوٍ على عرشه بلا كيف، وأنَّه -جلَّ جلاله- بائنٌ من خلقه والخلق بائنون منه، فلا حلول ولا ممازجة ولا اختلاط ولا ملاصقة؛ لأنَّه الفرد البائن من خلقه، الواحد الغني عن الخلق، علمه بكلِّ مكان، ولا يخلو من علمه مكان)) ().

9 ـ وقال ابن قتيبة: ((وعدلُ القول في هذه الأخبار أن نؤمن بما صحّ منها بنقل الثقات لها، فنؤمن بالرؤية والتجلي، وأنَّه يعجب وينزل إلى السماء الدنيا، وأنَّه على العرش استوى وبالنفس واليدين من غير أن نقول في ذلك بكيفية أو بحدّ أو أن نقيس على ما جاء ما لم يأت، فنرجو أن نكون في ذلك القول والعقد على سبيل النجاة غداً -إن شاء الله تعالى-)) ().

والآثار في هذا المعنى عن السلف مستفيضة، وممّا روي في هذا المعنى -لكن لم أقف له على إسناد- ما روي عن الشافعي أنَّه قال -لما سئل عن الاستواء-: ((آمنت بلا تشبيه، وصدّقت بلا تمثيل، واتهمت نفسي في الإدراك، وأمسكت عن الخوض غاية الإمساك)).

وعن أحمد أنّه قال: ((استوى كما ذكر لا كما يخطر للبشر)) ()، والله أعلم.

ومن جميل ما قيل في هذا شعراً قول الناظم:

((على عرشه الرحمن سبحانه استوى كما أخبر القرآن والمصطفى روى

وذاك استواء لائق بجلاله وأبرأ من قولي له العرش قد حوى

فمن قال مثلَ الفلك كان استواؤه على جبل الجودي من شاهق هوى

ومن يتبع ما قد تشابه يبتغي به فتنة أو يبغِ تأويله غوى

فلم أقل: استولى ولست مكلّفاً بتأويله كَلاَّ ولم أقل احتوى

ومن قال لي كيف استوى؟، لا أجيبه بشيء سوى أني أقول له: استوى)) ().

المبحث الرابع: ذكر كلام أهل العلم في التنويه بهذا الأثر وتأكيدهم على أهميته، وجعله قاعدة من قواعد توحيد الأسماء والصفات

لا ريب في صحة هذا الأثر وثبوته عن إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-، وحسنه وقوّة دلالته، وقد تلقّاه أهل العلم بالقبول، واستحسنوه واستجادوه، واعتبروه من أحسن جواب وأنبل جواب قيل في هذه المسألة، وجعلوه قاعدة من قواعد توحيد الأسماء والصفات تطبق في جميع الصفات، فيُقال في كلِّ صفة ما قاله الإمام مالك -رحمه الله- في صفة الاستواء، وقد سبق أن مرّ معنا في مبحث مستقلّ تخريج هذا الأثر وبيان ثبوته عن الإمام مالك -رحمه الله-.

وسأتناول في هذا المبحث أمرين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير