تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من أجل هذا؛ فإن فهم دلائل الكتاب والسنة إنما يؤخذ من الصحابة (رضي الله عنهم) ففيهم تكلم الرسول-صلى الله عليه وسلم-، وعليهم نزل الكتاب، فهم أعلم الناس بمراد الله (تعالى) ومراد رسوله-صلى الله عليه وسلم-، خاصة بعد أن كثرت البدع، وقل العلم، وفسدت الفهوم،، وهجرت السنّة، وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قوله:» فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة «[27]. قال ابن تيمية:» يحتاج المسلمون في العقيدة إلى شيئين: أحدهما: معرفة ما أراد الله ورسوله بألفاظ الكتاب والسنة، بأن يعرفوا لغة القرآن التي نزل بها، وما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر علماء المسلمين في معاني تلك الألفاظ؛ فإنّ الرسول لمّا خاطبهم بالكتاب والسنة عرّفهم ما أراد بتلك الألفاظ، وكانت معرفة الصحابة لمعاني القرآن أكمل من حفظهم لحروفه، وقد بلّغوا تلك

المعاني إلى التابعين أعظم ممّا بلغوا حروفه .. «[28].

وقال الشاطبي:» .. ولهذا فإن السلف الصالح (من الصحابة والتابعين ومن يليهم» كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه .. «[29].

وقال ابن أبي العز الحنفي:» وكيف يتكلم في أصول الدين من لايتلقاه من الكتاب والسنة، وإنما يتلقاه من قول فلان؟! وإذا زعم أنه يأخذه من كتاب الله لايتلقى تفسير كتاب الله من أحاديث الرسول، ولاينظر فيها، ولا فيما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان المنقول إلينا عن الثقات النقلة، الذين تخيرهم النقاد، فإنهم لم ينقلوا نظم القرآن وحده، بل نقلوا نظمه ومعناه، ولا كانوا يتعلمون القرآن كما يتعلم الصبيان، بل يتعلمونه بمعانيه، ومن لايسلك سبيلهم فإنما يتكلم برأيه، ومن يتكلم برأيه وما يظنه دين الله ولم يتلق ذلك من الكتاب فهو مأثوم وإن أصاب «[30].

ثانياً: معرفة اللغة العربية:

لكي تفهم دلائل الكتاب والسنة على الوجه الصحيح لابد من معرفة لغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم، والتي خاطب بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه. ولهذا تواتر اعتناء علماء الأمة وأئمتها بلغة القرآن حتى يوضع خطاب الشارع في موضعه اللائق به شرعاً.

قال الإمام الشافعي:» .. وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره، لأنه لايعلم من إيضاح جمع علم الكتاب أحدٌ جِهل سعة لسان العرب، وكثرة وجوهه، وجماع معانيه وتفرقها. ومن علمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها «[31].

وقال ابن عبد البر:» ومما يستعان به على فهم الحديث ما ذكرناه من العون على كتاب الله (عز وجل): وهو العلم بلسان العرب ومواقع كلامها، وسعة لغتها، وأشعارها، ومجازها، وعموم لفظ مخاطبتها وخصوصه، وسائر مذاهبها لمن قدر، فهو شيء لايُستغنى عنه، وكان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يكتب إلى الآفاق: أن يتعلموا السنّة والفرائض واللحن يعني النحو كما يتعلم القرآن» [32]. وقال ابن تيمية:» ولابد في تفسير القرآن والحديث من أن يعرف مايدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ، وكيف يفهم كلامه، فمعرفة العربية التي

خوطبنا بها ممّا يُعين على أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني، فإن عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب، فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدّعون أنه دال عليه، ولايكون الأمركذلك .. «[33].

وقال الشاطبي:» المقصود هنا: أن القرآن نزل بلسان العرب على الجملة، فطلب فهمه إنما يكون في هذا الطريق خاصة؛ لأن الله تعالى يقول: (إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياً) [يوسف: 2]. وقال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 195]. وقال: {لِّسَانُ الَذِي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [النحل: 103]. إلى غير ذلك مما يدل على أنه عربي وبلسان العرب، لا أنه أعجمي ولا بلسان العجم، فمن أراد فهمه، فمن جهة لسان العرب يُفهم، ولا سبيل إلى تطلّب فهمه من غير هذه الجهة «[34].


(1) أخرجه: مسلم في الإيمان، ج1 ص64، ح37.
(2) أخرجه مسلم في الصيد والذبائح ج3 ص1547، ح1954.
(3) أخرجه: ابن بطة في الإبانة، ج 1 ص257، وأخرج نحوه عن أبي الدرداء وأبي سعيد الخدري، وأفاد المحقق أن أسانيدها جياد.
(4) عقيدة السلف ص 117.
(5) السنة للخلال ج 3 ص 579.
(6) أخرجه: الترمذي في الأدب ج5 ص 81، ح2738، والحاكم في الأدب ج4 ص265: 266 وإسناده جيد.
(7) أخرجه: عبد الرزاق في الصلاة ج3 ص52 ح 4755، والبيهقي في السنن الكبرى ج2 ص 466 وإسناده صحيح.
(8) شرح العقيدة الطحاوية ص 219: 221.
(9) شرح السنة للبربهاري ص51.
(10) مجموع الفتاوى ج 13 ص 28.
(11) المرجع السابق ج 10 ص 363.
(12) أخرجه: أحمد ج6 ص8 وأبوداود ح4604، والترمذي 2660.
(13) أخرجه: أبوداود ح 3605، والترمذي ح2663، وابن ماجه ح 12.
(14) أخرجه: الخطيب البغدادي في الكفاية ص15.
(15) منهاج السنة النبوية ج3 ص352.
(16) المرجع السابق ج5 ص 233.
(17) أخرجه: مسلم في مقدمة صحيحه ج1 ص 12: 13.
(18) المرجع السابق ج1 ص 15.
(19) المحدث الفاصل ص 416، والكفاية ص21.
(20) منهاج السنة النبوية ج7 ص 61.
(21) المرجع السابق ج7 ص 34: 35.
(22) مجموع الفتاوى ج 3 ص 380.
(23) منهاج السنة النبوية ج 7 ص 167: 168.
(24) مجموع الفتاوى ج1 ص 250.
(25) جامع بيان العلم وفضله ج2 ص 947، ح1810.
(26) الفِصَل في الملل والنحل ج4 ص 148.
(27) أخرجه: أحمد ج4 ص126: 127، وأبوداود ح 4607، والترمذي ح 2676.
(28) الفتاوى ج17 ص353.
(29) الموافقات ج2 ص79.
(30) شرح العقيدة الطحاوية ص 212.
(31) الرسالة ص 50.
(32) جامع بيان العلم وفضله ج2 ص1132.
(33) الفتاوى ج7 ص 116 وانظر: ج7 ص 118: 119 و138 و 169 و286.
(34) الموافقات ج2 ص64.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير