تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد رسم أئمة الحديث منهجاً علمياً متميزاً في ضبط أصول الرواية وتقعيد قواعدها، فحفظوها بفضل الله تعالى من العبث والتزييف، فهم المرجع الذي يُرجع إليه في معرفة الصحيح من الضعيف، قال ابن تيمية:» المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب، والمرجع في التمييز بين هذا وهذا إلى أهل علم الحديث، كما نرجع إلى النحاة في الفرق بين نحو العرب ونحوغير العرب، ونرجع إلى علماء اللغة فيما هو من اللغة وما ليس من اللغة، وكذلك علماء الشعر والطب وغير ذلك، فلكل علم رجالٌ يعرفون به، والعلماء بالحديث أجلّ هؤلاء قدراً، وأعظمهم صدقاً، وأعلاهم منزلة، وأكثرهم ديناً، وهم من أعظم الناس صدقاً و أمانة وعلماً وخبرة فيما يذكرونه من الجرح والتعديل، مثل: مالك وشعبة وسفيان ... «[21].

من أجل ذلك كله: يتبيّن أن الاستدلال العلمي الصحيح يعتمد على الأحاديث الصحيحة والحسنة، وأمّا الأحاديث الموضوعة والضعيفة فلا يجوز الاستدلال بها، ويجب الحذر منها. ولهذا قال ابن تيمية:» فالواجب أن يفرق بين الحديث الصحيح والحديث الكذب، فإن السنة هي الحق دون الباطل، وهي الأحاديث الصحيحة دون الموضوعة، فهذا أصل عظيم لأهل الإسلام عموماً ولمن يدعي السنة خصوصاً «[22]. وقال أيضاً:» الاستدلال بما لاتُعلم صحته لايجوز بالاتفاق، فإنه قول بلا علم، وهو حرام بالكتاب والسنة والإجماع «[23]. وقال أيضاً:» ولايجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة «[24].

القاعدة الثالثة: صحة فهم النصوص:

إن صحة فهم النصوص الشرعية ركيزة رئيسة لصحة الاستدلال، ولايستطيع المرء أن يعرف مراد الله (عز وجل)، ومراد رسوله إلا حينما يستقيم فهمه لدلائل الكتاب والسنة. وكثير من البدع والضلالات إنما حدثت بسبب قلة العلم وسوء الفهم.

أصول مهمة يعتمد عليها:

ومن الأصول العلمية التي يجب الاعتماد عليها في فهم النصوص الشرعية ودراستها:

أولا: الاعتماد على منهج الصحابة (رضي الله عنهم):

للصحابة (رضي الله عنهم) منزلة جليلة، فقد شرفهم الله (تعالى)، وأعلى منزلتهم، ورفع أقدارهم ودرجاتهم، وعدلهم من فوق سبع سموات، فقال (تعالى): {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:100]. وقال (تعالى): {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الفتح: 29].

قال عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه):» من كان منكم متأسياً فليتأس بأصحاب محمد-صلى الله عليه وسلم-، فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قوماً اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم «[25].

وقال أبو محمد بن حزم:» فمن أخبرنا الله (عز وجل» أنه علم ما في قلوبهم، ورضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف عن أمرهم أو الشك فيهم البتة «[26].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير