5 - ((قَالَ القاري: وقد أطنب الشيخ _ يعني السيوطي _ في منقبته، وهو كذلك في حدِّ ذاته وصفاته، مع استحقاق زيادة في تزكيته، لأنَّه صنَّف في كُلِّ صنف من العلوم الشَّرعيَّة، كالتَّفسير والحديث والفقيه والآلات العربيَّة، إلَّا أنَّه في هذه الرِّسالة عمل عمل العطَّارين في تكبير النوالة، وتكثير الحوالة، ولم ينظر إلى كلام العلماء المتقدمين، والأئمة المعتبرين الذين هم الأطبَّاء والحكماء في نظر الخواصِّ والعوام أجمعين)).
6 - ((قَالَ القاري: ثم لو استدل بمثل هَذَا المبنى، لزم أن لا يوجد كافر على وجه الأرض، لقوله تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)}، فتأمَّل، فإنَّه موضع زلل و مقام خطل، واحذر أن تكون ضالاًّ مضِلاًّ في الوحل))
7 - ((قَالَ القاري: وبهذا تبيَّن أنَّه كحاطب ليل وخاطب ويل، فتارة يَقُوْل إنهما مؤمنان من أصلهما! لأنهما من أهل الفترة، أو لكونهما من آباء أرباب النُّبوَّة.
وأخرى يَقُوْل إنهما كانا كافرين لكن أحياهما الله وآمنا!
ومرَّة يَقُوْل كانا مؤمنين، وما كانا كافرين، بل في مرتبة المجانين جاهلين فيمتحنان يوم القيامة، وبالظَّنِّ يحكم أنهما ناجيان
فانظر إلى هذه المعارضات الواضحة، والمناقضات اللائحة، فهل تثبت المسائل الاعتقادية بأمثال هذه الاحتمالات العقليَّة، فدلَّ تصانيفه في هذه القضيَّة بأنَّه أقلَّ من العطَّار، بالنِّسبة إلى إمام الحكماء المعتبرين ... ))
8 - ((قَالَ القاري: ثم أعلم أن ما اختاره الفخر الرَّازي وتبعه السُّيوطي في أنَّ أبا إبراهيم عليه السَّلام لم يكن كافرا، فساد عظيم، وتشكيك لعقيدة أرباب اليقين، وإن كان كلُّ واحد منهما يدَّعي أنَّه من المجدِّدِين، بل يَصِحُّ أن يقال إنَّهما من المُحْدِثِيْنَ، لما ورد أن ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)) فهو ردَّ من بين المجتهدين ... ))
9 - ((قَالَ القاري: هذه طنطنة مصريَّة، ليس تحتها فائدة قويَّة ... ))
ثانيا:
الرَّد على بعض حيل السيوطي في رسائله
أولا: الطَّعن في الحديث الصَّحيح في مسلم
لا يشك عاقل أن أصحَّ كتابين بعد كتاب الله تَعَالَى، هما كتاب الصَّحيح للإمام البخاري وكتاب الصَّحيح للإمام مسلم القشيري، وأن الأمَّة مجمعة على صحَّة ما فيهما إلا حروفا يسيرة حصل النِّزاع فيها، ويجب أن يقف كلَّ سُنِّي يغار على حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سدَّاً منيعا أمام أي طاعن في أحاديث هذين الكتابين، حتى لا يتجرَّأ أهل البدع ومن في قلوبهم مرض على التَّعدِّي على أحدهما، ومع ذلك فنحن نناقش من تكلَّم في أي حديثٍ من أحاديثهما، إذا أتى بحجج مقبولة عند أهل الحديث، لا على طريقة المعتزلة وأذنابهم من العقلانيين الذين يردُّون أحاديث رسول الله لمجرد مخالفتها لما يظنُّون أنه اليقين، وطريقة أهل الحديث في تعليل الروايات أوالحكم عليها بالصِّحَّة أوالضَّعف معلومة عند من مارس تخريج الرِّوايات، وعرف مناهج المحدِّثين.
وليس كل من ألَّف أو تكلَّم في مصطلح الحديث، يصبح مؤهلا للخوض في هَذَا الفنِّ الصَّعب الَّذِيْ يحتاج إلى دراسة وممارسة وكدٍّ وكدح حتى يفهم الإنسان طرفه، فكيف بمن يكتفى بتجميع طرق الروايات ثم يقويها ببعضها، أو يخترع منهجا جديدا في التصحيح بكثرة الطرق وإن كانت واهية، بل يفخر أنه صحح حديثا لم يسبقه أحد من أهل الحديث لتصحيحه!.
الحيلة الأولى:
ادَّعى السُّيوطي أنَّ الراوي أخطأ في الحديث إسنادا ومتنا، وأنَّ المتن الصَّحيح هو قول النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنَّار))، وزعم أن معمرا أثبت في ثابت البناني من حمَّاد بن سلمة.
والرَّد على هذه الحيلة كالتَّالي:
1 - أنَّ حمَّاد بن سلمة أثبت النَّاس في ثابت البناني، وهذه أقوال أهل الشَّأن في ذلك:
قال الإمام ابن رجب رحمه الله في شرح علل الترمذي:
أصحاب ثابت البُناني:
وفيهم كثرة، وهم ثلاث طبقات، الطبقة الأولى: الثقات:
¥