((وكيف لا يكون أبواه وجده عليه الصلاة والسلام بهذه الصفة في الآخرة وقد كانوا يعبدون الوثن، حتى ماتوا ولم يدينوا دين عيسى بن مريم عليه السلام، وكفرهم لا يقدح في نسبه عليه الصلاة والسلام لأن أنكحة الكفار صحيحة. ألا تراهم يسلمون مع زوجاتهم فلا يلزمهم تجديد العقد ولا مفارقتهن إذا كان مثله يجوز في الإسلام وبالله التوفيق)) اهـ
الحيلة الثالثة:
بتره لكلام القاضي ابن العربي
قال السيوطي في الحاوي " رسالة مسالك الحنفاء "
وسئل القاضي أبو بكر بن العربي أحد أئمة المالكية عن رجل قال أن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار؟
فأجاب بأن من قال ذلك فهو ملعون لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ}، قال ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه إنه في النار. اهـ
هذه الفتوى نقلها السيوطي مبتورة من كلام القاضي أبي بكر ابن العربي، وقد غَيَّر البتر مضمونها، وأهم ما فيها، فأصبح كثير من أهل البدع يتكؤون عليها عند النِّقاش في مسالة حال أبو ي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويدَّعون أن ابن العربي قَالَ إن من قَالَ إنهما في النار فهو ملعون، لأنه آذى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في والديه!
فالحمد لله أن الله تعالى حفظ لنا كلام القاضي أبي بكر كاملا، وإن كنَّا لا نذكره إلا من باب الاستئناس، لا من باب الركون إليه، لأن حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الأصل، وكلام غيره مردود مهما كان قائله.
قَالَ الونشريسي (ت: 914 هـ) في المِعْيَارِ المُعْرِبِ وَالْجَامِعِ المُغْرِبِ (12/ 257)
وسئل الإمام الحافظ القاضي أبو بكر بن العربي رَحِمَهُ اللهُ
ما تقول أعزَّك الله في رجلين تنازعا الكلام
فَقَالَ أحدهما: إن قريشا أفضل العرب لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث منهم.
وقال الآخر: بل قريش وسائر العرب سواء لأنهم كانوا مشركين، ولا فضل لقريش إلا من كان منهم مسلما، أو مات على الإسلام.
فَقَالَ له الرَّجل: وهل والد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل أبي جهل؟
فَقَالَ: هما سواء، وأطلق اللعنة على والد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال إنها واجبة عليه إذا مات على الشِّرك.
فَقَالَ: هل جاء بهذا أمر؟
فَقَالَ: الأمر يخرج من قوله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}
فبيِّن لنا وجه الصَّواب في / هَذَا، وهل يجوز له إطلاق اللعنة عليه، وهو إمام مسجد؟
وهل تجوز الصَّلاة وراءه أم لا؟
مأجورا مشكورا إن شاء الله.
فأجاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بأن قَالَ:
قرأنا سؤالك، عصمنا الله وإيَّاك من الفتنة، وأكرمنا بالعصمة من المحنة، وهذا زمان تنطلق فيه الدويبة، وتبسط فيه الألسنة، حتى تتعدى إلى الأنبياء المصطفين الأخيار، ثم إلى المصطفى منهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد تضمَّن سؤالك خمسة معان:
الأوَّل: أن قريشا أفضل العرب
والجواب عنه: أن قريشا أفضل العرب والعجم وسائر الآدميين، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى وَمِنْ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ))، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتًا فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا وَخَيْرِهِمْ بَطْناً))، وقد بيَّنا شرح هذه الأحاديث على التَّفصيل في شرح التِّرمذي.
وعن السُّؤال الثَّاني: أنَّ من كان منهم مسلما فهو خير ممن كان كافرا، وغيرهم في ذلك سواء، ويفضلونهم في غير ذلك بما يطول تعداده.
¥