تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم قال البيهقي ((والآثار عن السلف في مثل هذا كثيرة، وعلى هذه الطريقة يدل مذهب الشافعي رضي الله عنه، وإليها ذهب أحمد بن حنبل والحسين بن الفضل البجلي، ومن المتأخرين أبو سليمان الخطابي. وذهب أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري إلى أن الله تعالى جل ثناؤه فعل في العرش فعلاً سماه استواء ... )) الخ ما ذكره.

ثم نقل قول آخرين ((إن الاستواء صفة الله تعالى بنفي الاعوجاج عنه)) وقول غيرهم ((إن الاستواء هو القهر والغلبة .. وإنما خص العرش بالذكر لأنه أعظم المملوكات، فنبه بالأعلى على الأدنى .. )) اهـ.

قال سمير: وإنما قصدت بهذه الإطالة رد مزاعم المخالف حيث زعم أن السلف أولوا كل الصفات سوى السبع، فهذا البيهقي، وهو من فضلاء المخالفين قد حكى الخلاف فيها، وأن من الأئمة من أثبتها، ونسب الإثبات إلى الأئمة المتقدمين، كالشافعي وأحمد وغيرهما.

* وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى [ثم استوى على العرش] من سورة الأعراف [7/ 219] ((قوله تعالى [ثم استوى على العرش] هذه مسألة الاستواء، وللعلماء فيها كلام وإجراء)) ثم ذكر قول من نفى الجهة ونسبه إلى المتكلمين، ثم قال: ((وقد كان السلف الأُول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله. ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة، وخص العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا تعلم حقيقته، قال مالك رحمه الله: "الاستواء معلوم – يعني في اللغة – والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة .. )) إلى آخر ما ذكره.

قال سمير: والقرطبي أيضاً ممن تأثر بقول المتكلمين، وقد صرح بإثبات الاستواء والجهة كما رأيت.

وللحافظ ابن حجر العسقلاني كلام طويل في الفتح في مواضع كثيرة، ذكر فيها أقوال العلماء واختلافهم في الصفات وكرر أن مذهب السلف إثباتها بلاتأويل، وأن التأويل مذهب غيرهم.

فنقل في [13/ 405 وما بعدها] في شرح الاستواء كلام ابن بطال، ثم كلام ابن الأعرابي اللغوي المشهور في جوابه لمن سأله عن [الرحمن على العرش استوى] قال ((هو على العرش كما أخبر)) قال السائل ((يا أبا عبد الله إنما معناه استولى. فقال: اسكت. لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد)).

ونقل كذلك كلام الإمام مالك وشيخه ربيعة في الاستواء، ونقل قول الأوزاعي ((كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله على عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته)).

ونقل الحافظ أيضاً قول الإمام الترمذي في مواضع من سننه، في إثبات الصفات ونسبة ذلك إلى الأئمة مالك والثوري وابن عيينة وابن المبارك وقول إسحق بن راهويه ((إنما يكون التشبيه لو قيل: يد كيد، وسمع كسمع)).

قال سمير: وقول إسحق بن راهويه يدل صراحة على أن اليد وغيرها من الصفات هي على ظاهرها ومعناها وهي التي يقبض بها ويبطش بها ويمسك بها، كما وردت النصوص بذلك، وهي التي يعبر عنها تارة بالكف، كما في حديث "وقعت في كف الرحمن" وتارة باليمين كما في قوله تعالى [والسموات مطويات بيمينه] وقوله في الحديث "اخترت يمين ربي وكلتا يديه يمين".

وهذه النقول السلفية صريحة في إثبات الصفات لا في تأويلها، وهناك عشرات بل مئات الروايات مثلها، وهي تنقض دعوى المخالف من أن مذهب السلف هو التأويل لا الإثبات.

وقد اخترت أن أنقلها من فتح الباري لا من مظانها من كتب السلف لأن فتح الباري عمدة عند هؤلاء المخالفين، فهم ينقلون منه ما يوافق أهواءهم، وابن حجر غير متهم عندهم بالتشبيه أو التجسيم، وقد ساقها محتجاً بها مقراً لها ولم يتعقبها بالتشكيك أو التكذيب، والله أعلم.

وقال الحافظ أيضاً ((وقال إمام الحرمين في الرسالة النظامية: اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن. وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله تعالى. والذي نرتضيه رأياً وندين الله به عقيدة، اتباع سلف الأمة، للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة. فلو كان تأويل هذه الظواهر حتماً لأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير