حديث أبي هريرة في الصورة، وفيه ((إن الله خلق آدم على صورته)) وفي حديث ابن عمر ((فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن)). وهذان الحديثان كلاهما بمعنى واحد، والضمير في قوله ((على صورته)) يعود على الرب عز وجل، وفيه إثبات الصورة مع نفي التشبيه والتمثيل والتعطيل. وحديث ابن عمر المذكور، رواه عبد الله بن أحمد في "السنة" [1/ 268] والدارقطني في "الصفات" [ص64] والآجُرِّي في "الشريعة" [3/ 1152] وابن أبي عاصم في "السنة" [1/ 228] وغيرهم.
والحديث الأول بلفظ ((على صورته)) لا خلاف في صحته عند الجميع، لكنهم اشتغلوا بتأويله وتحريف معناه، فأرجعوا الضمير إلى غير الله، وأما اللفظ الثاني ((على صورة الرحمن)) فاشتغلوا بتضعيفه، مع أن الذهبي حكى تصحيحه عن أحمد وإسحق بن راهويه. ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام طويل في تصحيحه والرد على من ضعفه، صدره بقوله ((هذا الحديث لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير عائد إلى الله ... )). انظر عقيدة أهل الإيمان للشيخ حمود التويجري [ص 54].
قال سمير: فلا يلتفت بعد ذلك إلى تضعيف من ضعف لفظ ((على صورة الرحمن)) بعد تصحيح الأئمة له، ولا لتأويل اللفظ الآخر ((على صورته))، فإنه لو كان له تأويل لتعرض له السلف، ولو لم يكن الضمير فيه راجعاً إلى الله لما أوردوه في مبحث "الصفات" أصلاً، ولهذا قال الإمام الآجري ((هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان بها ولا يقال فيها كيف ولِمَ؟ بل تستقبل بالتسليم والتصديق وترك النظر، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين)) اهـ.
وقد نقل الذهبي في الميزان [1/ 603] إنكار الإمام أحمد على من تأول معنى الحديث وأرجع الضمير إلى آدم أو غيره، وعدَّ ذلك من تأويلات الجهمية.
فكيف يسوغ بعد ذلك تأويل الحديث أو تضعيفه يا أولي الألباب؟!
وقد أطلت في شرح هذه المسألة وذكرت أمثلة أخرى مما اعترض عليه بعض الباحثين، وخالفوا فيه حكم الأئمة السابقين والعلماء المرضيين في الكتاب الآخر، والله الموفق والمعين.
المسألة السابعة
هناك عبارات مشهورة على لسان السلف في بيان معنى الصفات زادها الأئمة لما نشأ خلاف المعطلة، كقولهم في الاستواء مثلاً: ((مستو على العرش بذاته بائن من خلقه))، ظن من لا علم له بحقيقة الأمر أنها خلاف الأصل الذي صرَّحوا به وهو ((أَمِرُّوها كما جاءت من غير تفسير)).
والحق أن مثل هذه الزيادات في الألفاظ، وإن لم ينطق بها أهل القرن الأول، فقد سيقت زيادة في البيان والتوضيح، ورداً على الشبه التي ألقاها شياطين التعطيل، وإلا فهم كلهم متفقون على أن لا يزاد على ما في النصوص حرف واحد.
•فحين شبَّه المعطلون على العامة بتحريف معنى الاستواء فقالوا ((الاستواء بمعنى الاستيلاء أو الهيمنة))، وقصروا معنى العلو والفوقية على علو القهر والقدر والمنزلة، وأنه كقول القائل ((الأمير فوق الرعية))، وقالوا في النزول ((ينزل أمره)) أو ((ينزل ملك من الملائكة)).
اضطر السلف إلى زيادة كلمة (بذاته) فقالوا ((مستو على العرش بذاته)) وقالوا ((ينزل بذاته)) وقالوا ((يضحك حقيقة)) وقالوا ((له يدان على الحقيقة)) وله ((ساق على الحقيقة)) … وهكذا.
وما نطقوا بذلك إلا رداً على من تأول هذه النصوص على غير معناها وقد قال السلف في معنى الاستواء ((هو العلو والاستقرار))، فظن بعض من لا علم له أن لفظ (الاستقرار) زائد على الصفة فبادر إلى إنكاره، والصواب أنه من معاني الاستواء، كما صرح به ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث [ص 271] وابن عبد البر في التمهيد [7/ 131] وانظر "اجتماع الجيوش الإسلامية" لابن القيم [ص 199] وشرح العقيدة الواسطية للشيخ العثيمين [1/ 375].
فصل
•ومثله إثبات (القعود) على العرش، فإن لفظ القعود، لو فرض عدم مجيئه في النص، فإنه من معاني الاستواء، كما ذكر ذلك الأئمة، ومنهم الإمام أحمد فيما نقله عنه أبو يعلى. انظر مختصر الصواعق [ص386].
•ومثله (الجلوس) فقد قال خارجة بن مصعب ((وهل يكون الاستواء إلا بجلوس))؟ انظر "السنة" للإمام عبد الله [ص105].
¥