وهذه الأقوال ضعيفة فانه ليس فى الكتاب والسنة وصفه بقرب عام من كل موجود حتى يحتاجوا ان يقولوا بالعلم والقدرة والرؤية ولكن بعض الناس لما ظنوا أنه يوصف بالقرب من كل شىء تأولوا ذلك بأنه عالم بكل شىء قادر على كل شىء
وكأنهم ظنوا أن لفظ القرب مثل لفظ المعية فان لفظ المعية فى سورة
الحديد والمجادلة فى قوله تعالى هو الذى خلق السموات والأرض فى ستة ايام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم اينما كنتم والله بما تعملون بصير وقوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة
وقد ثبت عن السلف أنهم قالوا هو معهم بعلمه وقد ذكر ابن عبدالبر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم باحسان ولم يخالفهم فيه أحد يعتد بقوله وهو مأثور عن ابن عباس والضحاك ومقاتل بن حيان وسفيان الثورى وأحمد بن حنبل وغيرهم
قال ابن أبى حاتم فى تفسيره حدثنا أبى ثنا اسماعيل بن ابراهيم بن معمر عن نوح بن ميمون المضروب عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس فى قوله وهو معكم أينما كنتم قال هو على العرش وعلمه معهم قال وروى عن سفيان الثورى أنه قال علمه معهم وقال حدثنا أبى قال حدثنا أحمد بن ابراهيم الدورقى حدثنا نوح بن ميمون المضروب ثنا بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان عن الضحاك بن مزاحم فى قوله ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم إلى قوله أينما كانوا
قال هو على العرش وعلمه معهم ورواه باسناد آخر عن مقاتل بن حيان هذا وهو ثقة فى التفسير ليس بمجروح كما جرح مقاتل بن سليمان
وقال عبدالله بن أحمد ثنا أبى ثنا نوح بن ميمون المضروب عن بكير بن معروف ثنا ابو معاوية عن مقاتل بن حيان عن الضحاك فى قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا قال هو على العرش وعلمه معهم وقال على بن الحسن بن شقيق حدثنا عبدالله بن موسى صاحب عبادة ثنا معدان قال ابن المبارك ان كان أحد بخراسان من الابدال فمعدان قال سألت سفيان الثورى عن قوله وهو معكم أينما كنتم قال علمه وقال حنبل بن اسحق فى كتاب السنة قلت لأبى عبدالله أحمد بن حنبل ما معنى قوله تعالى وهو معكم أينما كنتم و ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم الى قوله تعالى الا هو معهم اينما كانوا قال علمه عالم الغيب والشهادة محيط بكل شىء شاهد علام الغيوب يعلم الغيب ربنا على العرش بلا حد ولا صفة وسع كرسيه السموات والأرض
وقد بسط الامام أحمد الكلام على معنى المعية فى الرد على الجهمية ولفظ المعية فى كتاب الله جاء عاما كما فى هاتين الآيتين وجاء خاصا كما فى قوله
ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وقوله اننى معكما اسمع وأرى وقوله لا تحزن ان الله معنا فلو كان المراد أنه بذاته مع كل شىء لكان التعميم يناقض التخصيص فانه قد علم أن قوله لا تحزن ان الله معنا أراد به تخصيصه وابا بكر دون عدوهم من الكفار وكذلك قوله ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون خصهم بذلك دون الظالمين والفجار وأيضا فلفظ المعية ليست فى لغة العرب ولا شىء من القرآن يراد بها اختلاط احدى الذاتين بالأخرى كما فى قوله محمد رسول الله والذين معه وقوله فأولئك مع المؤمنين وقوله اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وقوله وجاهدوا معكم ومثل هذا كثير فامتنع أن يكون قوله وهو معكم يدل على أن ذاته مختلطة بذوات الخلق وأيضا فانه افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم فكان السياق يدل على انه أراد أنه عالم بهم
وقد بسط الكلام عليه فى موضع آخر وبين أن لفظ المعية فى اللغة وان اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقارنة فهو اذا كان مع العباد لم يناف ذلك علوه على عرشه ويكون حكم معيته فى كل موطن بحسبه فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان ويخص بعضهم بالاعانة والنصر والتأييد
وقد قال ابن أبى حاتم قرات على محمد بن الفضل حدثنا محمد بن على بن الحسن بن شقيق ثنا محمد بن مزاحم ثنا بكير بن معروف عن مقاتل بن سليمان
فى قوله تعالى يعلم ما يلج فى الأرض من المطر وما يخرج منها من النبات وما ينزل من السماء من القطر وما يعرج فيها ما يصعد الى السماء من الملائكة وهو معكم أينما كنتم يعنى بقدرته وسلطانه وعلمه معكم أينما كنتم
وبهذا الاسناد عن مقاتل بن سليمان قال بلغنا والله أعلم فى قوله تعالى هو الأول قال قبل كل شىء والآخر قال بعد كل شىء والظاهر قال فوق كل شىء والباطن قال اقرب من كل شىء وانما نعنى بالقرب بعلمه وقدرته وهو فوق عرشه وهو بكل شىء عليم يعلم نجواهم ويسمع كلامهم ثم ينبئهم يوم القيامة بكل شىء نطقوا به سىء أو حسن
وهذا ليس مشهورا عن مقاتل كشهرة الأول الذى روى عنه من وجوه لم يجزم بما قاله بل قال بلغنا وهو الذى فسر الباطن بالقريب ثم فسر القرب بالعلم والقدرة ولا حاجة الى هذا وقد ثبت فى الصحيح عن النبى أنه قال انت الاول فليس قبلك شىء وأنت الآخر فليس بعدك شىء وأنت الظاهر فليس فوقك شىء وأنت الباطن فليس دونك شىء وجاء عن النبى من حديث أبى هريرة وأبى ذر رضى الله عنهما فى تفسير هذه الأسماء وحديث الادلاء ما قد بسطنا القول عليه فى مسألة الاحاطة
¥