وأما دعوى (نسبية الحقيقة) فهذه دعوة قد تلقفها الدكتور من الغربيين، انظر لردها مقالاً مفيداً للأستاذ غازي التوبة في مجلة المجتمع (عدد 1337) بعنوان (بين نسبية الحقيقة والنص القطعي الثبوت والدلالة) () جاء فيه قوله:
(والآن أعود إلى نسبية الحقيقة التي تتصادم مع النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة الذي يؤدي إلى ثبات الحقيقة، وأتجاوز الظروف التاريخية التي جعلت نسبية الحقيقة جزءاً أساسياً من ثقافة الغرب، التي تختلف عن ظروفنا التاريخية وأتساءل: هل حقاً ليس هناك ثبات في الحقيقة؟ ومن أين جاء النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة في ثقافتنا الإسلامية؟ وما سنده الواقعي في صيرورة الكون؟
إن الإجابة عن الأسئلة السابقة تقتضي أن نقرر أن هناك ثباتاً في الحقيقة، وإلا لما سميت حقيقة، وبشكل أدق جاء الثبات في الحقيقة من ثبات بعض النواميس التي تحكم الكون، ومن الفطرة التي قال الله عنها: (فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) ().
ومن مظاهر الفطرة الثابتة على مدار التاريخ: التعبد، وحب التملك، والتجاذب بين الذكر والأنثى، وإعلاء قيم الصدق والأمانة، وإسفال قيم الكذب والخيانة .. الخ لذلك جاء النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة في الشريعة ليعبر عن تلك الحقائق الثابتة المنغرسة في الفطرة، فكانت أحكام العقيدة وأحكام العبادات ثابتة، لأنها تتعلق بفطرة التعبد، وكانت أحكام فرضية الزكاة وتحريم الربا، وتشريع حد السرقة ثابتة، لأنها تتعلق بفطرة حب التملك، وكانت أحكام الخطبة والزواج والطلاق ثابتة لأنها تتعلق بفطرة التجاذب بين الذكر والأنثى، وكانت أحكام مدح الصادقين وإجزال مثوبتهم ثابتة لأنها تتعلق ببعض الأخلاق الفطرية.
وفي النهاية نقول: طالما أن هناك فطرة ثابتة لا تتغير فهناك حقائق ثابتة لا تتغير، وهذا ما قادت الظروف التاريخية أوروبا لإنكاره، وليس بالضرورة أن يكون الصواب مع أوروبا).
قلت: ومما يشهد لهذا ما حكاه الله عن المشركين الذي كانوا يغيرون الحقائق ويدعون نسبيتها! ويحللون الشهر المحرم عاماً ويحرمونه عاماً آخر، فأنكر الله عليهم ذلك التلاعب بالحقائق، وقال (إنما النسيء زيادة في الكفر يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله، فيحلوا ما حرم الله زُين لهم سوء أعمالهم).
والدكتور جلبي قد زُين له سوء عمله، فأصبح يتلاعب بالحقائق، ويشك فيها، فحق لنا بعدها أن نتلو عليه الآيات الربانية التي فيها ذم (الشكاكين)؛ كقوله تعالى عن الكفار (وإنهم لفي شك منه مريب) وقوله (بل هم في شك منها بل هم منها عمون)؛ لعله يتنبه إلى خطورة هذه الفكرة التي تورط بها؛ لأجل الدفاع عن أهل الباطل والكفر والضلال.
ونعوذ بالله أن نكون في (شك) من ديننا، أو أن نساوي بين الإسلام والكفر، وبين الحق والباطل.
الانحراف الخامس: قوله الشنيع بأن النصوص لا تحل المشاكل!!
يقول جلبي عن معركة صفين: "إن التحاكم القديم إلى النصوص لم يحل المشكلة، إن لم يكن قد زادها تعقيداً؟ "!! (سيكولوجية العنف، ص42)
قلت: نعوذ بالله من (الكفر) و (الضلال)! فما أشنعها من كلمة يا دكتور، كيف تكون نصوص الكتاب والسنة لا تحل المشاكل والله قد أمرنا عند الاختلاف بالرجوع إليها؟! قال سبحانه: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلكم خير وأحسن تأويلاً) "وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتابُ والسنة" ().
وقوله تعالى (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) يدل على "أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر" ().
قلت: وقد أخبر الله تعالى عن المنافقين بأنهم هم الذين لا يريدون حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ويفرون منهما، ويلجئون إلى حكم (الطاغوت)، أياً كان هذا الطاغوت: رئيس قبيلة، أو حاكم دولة، أو قانوناً، أو سنناً وتاريخاً –كما يردد جلبي! - أو غيرها من الطواغيت المختلفة.
¥