يقول جلبي معلقاً على قوله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة): (إن الإسلام – بكلمة ثانية – سوف يجاهد من أجل أن يسمح للطرف الآخر الذي لا يؤمن به بالبقاء، بل بالمحافظة عليه، بل بحمايته من أجل أن يعبر عن رأيه حتى ولو كان معارضاً للإسلام) (سيكولوجية العنف، ص56)، ويقول هازئاً من حد الردة في الإسلام!: (لنتصور سيارة تملك إمكانية المشي للأمام فقط، بدون إمكانية الرجوع للخلف، إن هذا يمنع إمكانية المناورة، بل سيجعل حركة السيارة قريبة من المستحيل … الخ) (المرجع السابق، ص 127).
ويقول أيضاً: "المجتمع الإسلامي المكان الوحيد المسموح به بممارسة كل الأفكار، والتقاء كل الثقافات بالتعايش والتعبير" (المرجع السابق، ص234)
ويقول أيضاً: "إن صلاح الكون وجماله بالتنوع والتعددية" (المرجع السابق، ص239).
ويقول أيضاً: "إن المحافظة على الآخر هي محافظة على الذات" (المرجع السابق، ص244).
قلت: هذه بعض عبارات الدكتور في تقرير الحرية الفكرية في المجتمع المسلم، وأن الإسلام يقبل الاختلافات بل يحميها!، وهذا يعني أن الإسلام –والعياذ بالله- يقبل أن يُعلن الكافر كفره، والمبتدع بدعته دونما حساب أو عقاب!! وهذا لا يقول به مسلم يفقه دينه.
ومشكلة جلبي ومن يرى رأيه ممن يسمون بالمفكرين المسلمين أنهم لا يفرقون بين إرادة ومشيئة الله الكونية وبين إرادته ومشيئته الشرعية. فهم عندما يرون الكفر والبدع والانحرافات واقعة في المجتمع المسلم في زمان ما يظنون -بجهلهم- أن الله يرضى بهذا وأن الإسلام يُقره، جاهلين أن الأمر قد يقدره الله (كوناً)؛ لأنه لا شيء يخرج عن قدرته سبحانه، ولكنه تعالى لا يرضاه شرعاً؛ كما قال تعالى (ولا يرضى لعباده الكفر) فالله لا يرضى الكفر (شرعاً)، رغم وقوعه في الأرض بقدرته (الكونية).
فوقوع الكفر والانحراف في الأرض ليس مسوغاً للمسلم أن يرضى به أو يقره أو يفرح به! بل مطلوب منه أن يكافحه بما استطاع.
فهولاء المفكرون عندما يقرؤون التاريخ الإسلامي ويرون أن الفرق المبتدعة؛ كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة، بل والفلاسفة، وغيرهم منتشرة في فترة من الفترات، يتخذون من هذا الأمر مدحة للإسلام وأنه يقر الاختلافات الفكرية –زعموا-!! متغافلين عما سبق ذكره.
ومما يشهد لهذا أنه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القدوة للمسلمين، لم يكن صلى الله عليه وسلم يرضى بهذا الذي رضي به المفكرون، بل حذر صلى الله عليه وسلم من الاختلافات ومن البدع، وأمر بقتال مشركي العرب، وبقتل المرتد –كما سيأتي- وبقتال الخوارج … الخ. فأي حرية فكرية يزعمها الدكتور؟!
ولا يظنن ظان أن هذا مما يُذم به الإسلام –والعياذ بالله-، بل هذا مما يُمدح به؛ لأنه يقود معتنقيه إلى رضا الله –سبحانه-، ويباعدهم عن الكفر ويحذرهم منه، نفعاً لهم، وقبل هذا كله: ينبغي أن يعلم المسلم أن لله الأمر كله، يحكم ما يشاء، ويفعل ما يريد.
أما اليهود والنصارى من أهل الكتاب فإنهم إنما يُقَرون على كفرهم إذا رضوا بدفع الجزية، والتزام عدم دعوة المسلمين لكفرهم، ولهم الحماية بموجب عقد (الذمة) بالشروط التي بينها العلماء، فأي تعبير للرأي المخالف يدعيه الدكتور؟!
الانحراف الرابع: أن الدكتور كثيراً ما يردد: بأن الحق المطلق لا يمتلكه أحد!!
فمن ذلك قوله:" إن الحقيقة النهائية والمطلقة والشمولية لن يملكها أحد" (سيكولوجية العنف، ص243). ويقول:" ليس كل رأي يصدق في قول الحقيقة أو يرويها أو يزعم قنص الحقيقة الحقيقية النهائية المطلقة، أو يحتكر الوصاية على الحقيقة" (المرجع السابق، ص240) (وانظر: ص101،109)
قلت: هذه الفكرة من الأفكار (الكفرية) –والعياذ بالله- التي تورط بها الدكتور؛ لأنها تساوي بين الحق والباطل، والإسلام والكفر، بدعوى أننا لا ندري في أيٍ تكون (الحقيقة)!!.
فإن كان الدكتور يشك في (إسلامه) –والعياذ بالله- ويظن أنه قد لا يكون فيه الحق! فنحن –ولله الحمد- لا نشك في أن الإسلام هو دين الله الحق الذي يجب على كل إنسي وجني أن يدين الله به، ومن لم يعتنقه فهو كافر.
¥