الهمزة والثاء والراء، لها ثلاثة أصول: تقديم الشيء، وذكر الشيء، ورسم
الشيء الباقي.
فالأول وهو تقديم الشيء: كأن تقول افعل يا فلان هذا آثِراً ما، أي: إنْ
اخترت ذلك الفعل فافعل هذا إما لا. قال ابن الأعرابي: معناه: افعله أوَّلَ كلِّ
شيء.
والثاني وهو ذكر الشيء: ومنه قول ابن عمر - رضي الله عنهما -: «ما
حلفت بعدها آثِراً ولا ذاكراً» فقوله: آثِراً: أي مخبراً عن غيري أنه حلف به.
والثالث وهو رسم الشيء الباقي: قال الخليل: والأثر بقية ما يرى من كل
شيء، وما لا يرى بعد أن تبقى فيه علقة. والآثار الأثر، كالفلاح والفلح، والسداد
والسدد، قال الخليل: أثر السيف ضربته، وتقول: من يشتري سيفي وهذا أثره،
يضرب للمجرب المختبر.
وقال الأصفهاني: أثر الشيء: حصول ما يدل على وجوده، يقال: أَثَر
وإثْرٌ، والجمع: الآثار، قال - تعالى -:] ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا [
(الحديد: 27)،] وَآثَاراً فِي الأَرْضِ [(غافر: 21).
ومن هذا يقال: للطريق المستدَل به على مَنْ تقدم: آثار، نحو قوله -
تعالى-:] فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ [(الصافات: 70)،] قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى
أَثَرِي [(طه: 84).
2 - تعريف الآثار اصطلاحاً:
من خلال البحث لم أجد أحداً عرَّف الآثار، ومجمع اللغة العربية عرَّف علم
الآثار بقوله: علم الوثائق والمخلفات القديمة [2].
وهذا التعريف قاصر؛ إذ لا يتناول المواقع التي لا يوجد فيها أمور عينية، وهي
من الآثار.
ويمكن أن يقال في تعريفها بأنها: ما يدل على أثر مَنْ سلف من الأمم.
منهج الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده وموقفهم من الاهتمام
بالآثار:
من خلال تتبع بعض الأحداث يتبين لنا منهج رسول الله، فمن ذلك:
1 - الأماكن التي زارها النبي قبل البعثة وبعد البعثة لم يرد دليل واحد على
أن النبي قصد زيارتها أو أمر بزيارتها أو حث على الاهتمام بها، ونحو ذلك. قال
شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «فإن النبي بعد أن أكرمه [الله] بالنبوة لم
يكن يفعل ما فعله قبل ذلك من التحنث في غار حراء أو نحو ذلك، وقد أقام بمكة
بعد النبوة بضع عشرة سنة، وأتاها بعد الهجرة في عمرة القضية، وفي غزوة الفتح،
وفي عمرة الجعرانة ولم يقصد غار حراء، وكذلك أصحابه من بعده، لم يكن أحد
منهم يأتي غار حراء .. » [3] ويقول أيضا: «وكذلك قصد الجبال والبقاع التي
حول مكة غير المشاعر؛ عرفة و مزدلفة و منى مثل جبل حراء والجبل الذي عند
منى الذي يقال إنه كان فيه قبة الفداء ونحو ذلك؛ فإنه ليس من سنة رسول الله
زيارة شيء من ذلك بل بدعة» [4].
2 - عندما فتح النبي مكة وطاف بالكعبة كسر الأصنام التي حول الكعبة كلها
كما جاء في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِي اللَّه عَنْه - قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ مَكَّةَ
وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُباً فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَجَعَلَ
يَقُولُ صلى الله عليه وسلم:] جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [
(الإسراء: 81) [5] وهذه الأصنام تعتبر من الآثار التي يحافظ عليها في مثل
هذا الزمن؛ فلماذا لم يحافظ عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ويعتني بها،
ويجعلها في متحف ونحوه؟!!
وعلى هذا المنوال سار أتباعه الكرام، وإليك البيان:
لقد كان هدي السلف الصالح الاهتمام بالآثار الفعلية والقولية من أقوال
المصطفى صلى الله عليه وسلم وأفعاله، ولا أدل على ذلك من هذه الكتب التي
تزخر بالكثير من الآثار الفعلية والقولية .. فأفنوا أعمارهم من أجل المحافظة عليها،
وقطعوا القفار وكابدوا مشقة الأسفار؛ وواصلوا الليل بالنهار؛ كل ذلك جمعاً لآثار
النبي المختار صلى الله عليه وسلم وتدوينها ليعمل بها .. وبلغ من حرصهم على
تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية أن يُنقَل لنا حتى شؤون النبي
صلى الله عليه وسلم الزوجية في غسله ووضوئه، في أكله وشربه، وفي نومه
واستيقاظه .. في كل شيء .. هذا كان ديدنهم، وتلك كانت همتهم. ولم يكن معروفاً
¥