فمن قال إن الفاحشة والقبائح والآثام إنما صارت كذلك بعد النهي فهو بمنزلة من يقول الشرك إنما صار شركا بعد النهي وليس شركا قبل ذلك
ومعلوم أن هذا وهذا مكابره صريحة للعقل والفطرة فالظلم ظلم في نفسه قبل النهي وبعده والقبيح قبيح في نفسه قبل النهي وبعده والفاحشة كذلك وكذلك الشرك لا أن هذه الحقائق صارت بالشرع كذلك
نعم الشارع كساها بنهيه عنها قبحا إلى قبحها فكان قبحها من ذاتها وازدادت قبحا عند العقل بنهي الرب تعالى عنها وذمه لها وإخباره ببغضها وبغض فاعلها كما أن العدل والصدق والتوحيد ومقابلة نعم المنعم بالثناء والشكر حسن في نفسه وازداد حسنا إلى حسنه بأمر الرب به وثنائه على فاعله وإخباره بمحبته ذلك ومحبة فاعله
بل من أعلام نبوة محمد أنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث
فلو كان كونه معروفا ومنكرا وخبيثا وطيبا إنما هو لتعلق الأمر والنهي والحل والتحريم به لكأن بمنزلة أن يقال يأمرهم بما يأمرهم به وينهاهم عما ينهاهم عنه ويحل لهم ما يحل لهم ويحرم عليهم ما يحرم عليهم وأي فائدة في هذا وأي علم يبقى فيه لنبوته وكلام الله يصان عن ذلك وأن يظن به ذلك وإنما المدح والثناء والعلم الدال على نبوته أن ما يأمر به تشهد العقول الصحيحة حسنه وكونه معروفا وما ينهى عنه تشهد قبحه وكونه منكرا وما يحله تشهد كونه طيبا وما يحرمه تشهد كونه خبيثا وهذه دعوة جميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وهي بخلاف دعوة المتغلبين المبطلين والكذابين والسحرة فإنهم يدعون إلى ما يوافق أهواءهم وأغراضهم من كل قبيح ومنكر وبغي وإثم وظلم
ولهذا قيل لبعض الأعراب وقد أسلم لما عرف دعوته عن أي شيء وما رأيت منه مما دلك على أنه رسول الله قال ما أمر بشيء فقال العقل ليته نهى عنه ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته أمر به ولا أحل شيئا فقال العقل ليته حرمه ولا حرم شيئا فقال العقل ليته أباحه فانظر إلى هذا الأعرابي وصحة عقله وفطرته وقوة إيمانه واستدلاله على صحة دعوته بمطابقة أمره لكل ما حسن في العقل وكذلك مطابقة تحليلة وتحريمه ولو كان جهة الحسن والقبح والطيب والخبث مجرد تعلق الأمر والنهي والإباحة كذلك قوله تعالى إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي
وهؤلاء يزعمون أن الظلم في حق عباده هو المحرم والمنهي عنه لا أن هناك في نفس الأمر ظلما نهى عنه وكذلك الظلم الذي نزه نفسه عنه هو الممتنع المستحيل لا أن هناك أمرا ممكنا مقدورا لو فعله لكان ظلما فليس في نفس الأمر عندهم ظلم منهي عنه ولا منزه عنه إنما هو المحرم في حقه والمستحيل في حقه فالظلم المنزه عنه عندهم هو الجمع بين النقيضين وجعل الجسم الواحد في مكانين في آن واحد ونحو ذلك
والقرآن صريح في إبطال هذا المذهب أيضا قال الله تعالى قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد أي لا أؤاخذ عبدا بغير ذنب ولا أمنعه من أجر ما عمله من صالح ولهذا قال قبله وقد قدمت إليكم بالوعيد المتضمن لإقامة الحجة وبلوغ الأمر والنهي وإذا آخذتكم بعد التقدم فلست بظالم بخلاف من يؤاخذ العبد قبل التقدم إليه بأمره ونهيه فذلك الظلم الذي تنزه الله سبحانه وتعالى عنه
وقال تعالى ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما يعني لا يحمل عليه من سيئات ما لم يعمله ولا ينقص من حسنات ما عمل ولو كان الظلم هو المستحيل الذي لا يمكن وجوده لم يكن لعدم الخوف منه معنى ولا للأمن من وقوعه فائدة
وقال تعالى من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد أي لا يحمل المسيء عقاب ما لم يعمله ولا يمنع المحسن من ثواب عمله ...............
كلام ابن القيم طويل ارجع اليه في كتاب مدارج السالكين، الجزء 1، صفحة 227.
و ما بعدها
دار النشر دار الكتاب العربي
مدينة النشر بيروت
سنة النشر 1393 - 1973
رقم الطبعة الثانية
إسم المحقق محمد حامد الفقي
http://arabic.islamicweb.com/Books/taimiya.asp?book=81&id=225
وكذلك كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل
لابن القيم رحمه الله
ـ[أبو الوليد الجزائري]ــــــــ[30 - 06 - 04, 05:08 ص]ـ
مجموع الفتاوى
http://arabic.islamicweb.com/Books/taimiya.asp?words=%C7%E1%CD%D3%E4+%E6%C7%E1%DE%C8% CD&book=381
ـ[الدرعمى]ــــــــ[30 - 06 - 04, 09:16 م]ـ
الأخ الكريمالحنبلى السلفى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ..
أنقل إليك خلاصة قول المعتزلة فى المسألة فقد قمت ببحث فى هذا الموضوع منذ سنوات:
فالتحسين والتقبيح عند المعتزلة إنما يقصد به المعنى الأخلاقى لا الجمالى، وهم يعرفون القبح بأنه ما إذا فعله القادر استحق الذم على بعض الوجوه (احترازًا من الصغيرة والقبائح الواردة من الصبيان والمجانين).
و تنقسم القبائح عندهم إلى قسمين
مايقبح لذاته ولصفته كالكذب والظلم
وما يقبح لغيره وهو ما يدعو إلى المفاسد والسمعيات منها تدخل فى هذا الوجه (انظر شرح الأصول الخمسة ص41)
اما الحسن: فقد اختلف فيه المعتزلة فالذى قاله الجبائيان امه يحسن لوجه هو كونه نافعصا أو دافعصا لضرر عن النفس أو الغير (انظر المغنى للقاضى عبد الجبار 14/ 16)
وقيل إن الحسن لا يحتاج لوجه غذ هو مجرد نفى استحقاق الذم.
ثم يقسمون الحسن إلى:
ماله صفة زائدة على حسنه لكونه يسهل فعل الواجبات كالنوافل
وما ليس له صفة زائدة على حسنه وهو الذى عبر عنه الشرع بالمباح (انظر المغنى 14/ 171)
وإذا تقرر ذلك فمرك الحسن والقبح عند المعتزلة إنما هو العقل لا الشرع يقول المعتزلة إن احكام القبح العقلى يجب أن تكون معلومة على طريق الجملة ضرورة ذاتية لكل مكلف فهى من جملة كمال العقل ولولا ذلك لصارت غير معلومة أدصا (انظر المحيط بالتكليف للقاضى عبد الجبار ص 37) هذا هو المشهور عنهم إلا أن ما ذكره القاضى عبد الجبار بهذا الشان ان من القبائح و المحاسن ما لا تدرك إلا بالشرع (راجع المحيط بالتكليف ص228 والمغنى له 8/ 171 - 176)
¥