تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واللافت للنظر، أخي الحبيب، أن معظم الأئمة، الذين تبنوا منهج الأشاعرة، ثبت في مواضع أخرى من كلامهم، رجوعهم إلى مذهب أهل السنة والجماعة، فعلى سبيل المثال:

¨ الجويني رحمه الله، أنكر إستواء الله على العرش، بل وأنكر علو الله بذاته، كما ذكر ذلك ابن عثيمين رحمه الله، في العقيدة الواسطية، في معرض ذكره للمناظرة الشهيرة، بين الجويني والهمذاني رحمه الله، ورغم ذلك، فإن الناظر في الفتوى الحموية، يجد شيخ الإسلام رحمه الله، يستدل بكلام نفيس للجويني رحمه الله، في "الرسالة النظامية"، في تقرير صفة المعية، لله عز وجل، وكيف أنها لا تقتضي المحاذاة والمماسة، وإنما تقتضي المقارنة المطلقة فقط … الخ، فهذا كلام يؤيد رجوع الجويني رحمه الله، إلى قول أهل السنة في مسألة العلو، والله أعلم، وأكد الجويني رحمه الله في "غياث الأمم"، في باب "تفصيل ما إلى الأئمة والولاة" على أن أحد مهام الخليفة: صرف المسلمين عن الخوض في المشكلات الكلامية وتوجيههم إلى طريقة السلف.

¨ وكذا نقل شيخ الإسلام عن الباقلاني رحمه الله، كلاما له في إثبات إستواء الله عز وجل على عرشه، بل ووصفه بأنه أفضل المتكلمين المنتسبين للأشعري رحمه الله، وبأنه ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده، وجدير بالذكر أن الباقلاني، كان حريصا على الإنتساب لإمام أهل السنة، أحمد رحمه الله، حتى كان يكتب في بعض أجوبته: محمد بن الطيب الحنبلي، وقد انتهى به الأمر إلى إثبات جميع الصفات كالوجه واليدين، وإبطال أصناف التأويلات التي يستعملها المؤولة، وذلك في كتابه: تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل.

¨ وها هو الغزالي رحمه الله، وهو من أئمة المتكلمين، يقول في كتابه (التفرقة بين الإيمان والزندقة): لو تركنا المداهنة لصرحنا بأن الخوض في هذا العلم "أي علم الكلام" حرام)، ويصف أدلته بأنها لا تفيد اليقين، يقول الدكتور مصطفى حلمي، حفظه الله: ومات الغزالي على خير أحواله، مات على الصحيحين: صحيح البخاري وصحيح مسلم، فتحول من الكلام إلى طلب السنة من مصادرها الصحيحة.

وهذا (والكلام للدكتور مصطفى)، إن دل على شيء، فإنما يدل على الإخلاص في البحث عن الحقيقة من جهة، كما يدل من جهة أخرى على أنه لا سبيل إلى معرفة أصول الدين إلا من مصادره (الكتاب والسنة).

¨ والأشعري رحمه الله، كما قرر الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله، في هامشه على معارج القبول، مر في حياته العلمية بثلاثة أطوار:

· أولا: إنتسابه إلى المعتزلة.

· ثانيا: رده عليهم، ودخوله معهم في جدال عقلي، تولد عنه المذهب المنسوب إليه، وهذه المرحلة، هي المرحلة التي توقف عندها أتباع المذهب من بعده.

· ثالثا: رجوعه إلى مذهب أهل السنة، لما انتقل من البصرة إلى بغداد، واتصل بأهل الحديث وأتباع أحمد رحمه الله، وألف "الإبانة" و "مقالات الإسلاميين".

ولابد من التنبيه على مدى الإختلاف بين متقدمي الأشاعرة كالباقلاني وابن مجاهد ومتأخريهم كالرازي وسعد الدين التفتازاني والشريف الجرجاني، فالأولون أقرب للسنة بلا شك، والله أعلم، وأوكد على أن هذا لا يعني موافقتهم، على ما زلوا فيه، كما فعل متأخرو الأشاعرة، وإنما هو من باب إعطاء كل ذي حق حقه.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير