تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

¨ ثانيا: أنه مما تقدم من النقل، يظهر أن القول بأن كلام الله لا يفضل بعضه بعضا، يؤدي الى القول بأن كلام الله معنى واحد، وهذا ما ذهب إليه ابن كلاب رحمه الله وأتباعه، وهو ما عرف بالكلام النفسي (أي المعنى القائم بالذات المجرد عن الصيغة)، وهذا مبني على قولهم بنفي تعلق الكلام بالمشيئة، ولذا نفوا الصيغة لأنها تقتضي الحدوث، وهذا قول باطل، مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة، ولذا لم أنسبه لأهل السنة، في ردي عليك.

وأنقل إليك، أخي الحبيب، رأي شيخ الإسلام رحمه الله، في هذه المسألة، لعله يزيد الأمر وضوحا حيث قال، في جواب أهل العلم والإيمان،: بأن الكلام له نسبتان: نسبة إلى المتكلم به، ونسبة إلى المتكلم فيه، فهو يتفاضل بإعتبار النسبتين وبإعتبار نفسه أيضا، فإن (قل هو الله أحد) و (تبت يدا أبي لهب) كلاهما كلام الله تعالى، وهما مشتركان من هذه الجهة، لكنهما متفاضلان من جهة المتكلم فيه، المخبر عنه، فالآيات الأولى كلام الله وخبره الذي يخبر به عن نفسه، وصفته التي يصف بها نفسه، وكلامه الذي يتكلم به عن نفسه تعالى، والآيات الثانية كلام الله الذي يتكلم به عن بعض خلقه، ويخبر به ويصف به حاله، وهما في هذه الجهة متفاضلان، بحسب تفاضل المعنى المقصود بالكلامين. اهـ

¨ ثالثا: أنه من الواضح، من منهج ابن كلاب رحمه الله، ومن تابعه من الأشاعرة، كان محاولة غير ناجحة للتوسط بين أهل السنة من جهة، والمعتزلة من جهة أخرى، وهذا ما يظهر جليا من رأيهم في هذه المسألة، وفي مسائل أخرى، كمسألة الكسب، عند الأشعري رحمه الله، حيث حاول التوسط بين أهل السنة، والمعتزلة، ولكنه لم يوفق، وبدت نظريته في الكسب، مع شدة غموضها، أقرب ما تكون لقول الجبرية.

وأما المحور الثاني في هذه المداخلة، فهو أن أحمد رحمه الله، وهو إمام أهل السنة، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله، أنكر على ابن كلاب رحمه الله وأتباعه، هذا الرأي المحدث، وأمر رحمه الله، بهجر الكلابية، حتى هجر الحارث المحاسبي رحمه الله، لأنه كان صاحب ابن كلاب، وكان قد وافقه على هذا الأصل، ثم روي عنه أنه رجع عن ذلك، ولم يهجره لتصوفه، كما هو شائع، والله أعلم.

ورغم ذلك، فإني أوافقك، أخي الكريم، في ثناء ابن تيمية رحمه الله، على ابن كلاب رحمه الله، حيث أقر بما كان له من فضل وعلم ودين ودافع عنه إزاء من يتهمونه بأنه ابتدع ما ابتدعه ليظهر دين النصارى في المسلمين، وهو بذلك ينكر القصة التي افتراها، خصوم ابن كلاب رحمه الله، عليه، من أنه كان نصرانيا، ثم أسلم وفارق قومه … الخ.

ولا أحد ينكر رد ابن كلاب رحمه الله، القوي على المعتزلة في مسائل كثيرة، من أبرزها، مسألة علو الله تعالى، ولكني أختلف معك، أخي الكريم، في القول بإطلاق هذا الثناء، دون تعقب ابن كلاب رحمه الله، في المسائل التي زل فيها، وخالف أهل السنة.

وأود التأكيد، أخي الحبيب، على إنصاف ابن تيمية رحمه الله، في ثناؤه على ابن كلاب رحمه الله، ومن تابعه من الأشاعرة، في المسائل التي وافقوا فيها أهل السنة، وتصدوا فيها للمعتزلة، حيث قال رحمه الله، في درء التعارض: "فإن الواحد من هؤلاء له مساع مشكورة في نصرة ما نصره من الإسلام والرد على طوائف من المخالفين لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فحمدهم والثناء عليهم بما لهم من السعي الداخل في طاعة الله ورسوله وإظهار العلم الصحيح … وما من أحد من هؤلاء ومن هو أفضل منه، إلا وله غلط في مواضع" اهـ.، وقال في النبوات: "حيث إن خطؤهم بعد إجتهادهم مغفور" اهـ، ولا يعني هذا بطبيعة الحال، غض الطرف عما زلوا فيه، وكذا فعل الحافظ رحمه الله، في ترجمة الرازي رحمه الله، كما نقل أخونا المضري حفظه الله، في تعقيبه على مداخلة أخينا أبو محمد الإفريقي حفظه الله تحت عنوان "ما هي أقوال العلماء في الأشاعرة والماتريدية "، حيث قال، بعد أن ذكر زلات الرازي وشنائعه: "أوصى بوصية تدل على أنه حسن اعتقاده". اهـ، وهي الوصية الشهيرة التي قال فيها: (لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن …… الخ).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير