فلو أني رأيت متكلما وانتحل مقالة قد حكم عليها أهل العلم بالكفر ثم إني امتنعت عن كفره لظني باشتباه الأمر عليه وتأويله لم يكن ذلك موجبا لعذره في البدعة لأني إنما حكمت عليه بالبدعة لسلوكه طريقة بدعية في هذا القيل ورأيت أن حجة الله عليه قائمة بهذا المسلك الذي سلكه ولم أكن ملتفتا حين حكمي عليه بهذا أكان هذا القيل من قبيل البدعة الموصلة إلى الكفر أو هي دون ذلك
فترى يا رعاك الله أني حكمت عليه بالبدعة لمسلكه وطريقته ورأيت أن حجة الله قائمة عليه ثم بعد هذا لما تأملت ما صار إليه هذا المبتدع من قول هو من جنس قول الكفار منعني من تكفيره ما رأيت من قصور إدراكه لحقيقة هذا القول وكنهه أو أنه سلك فيه مسلك أهل التأويل فكان العذر مسلطا على وصف الكفر وليس لهذا العذر أي متعلق بوصف البدعة حتى يقال لماذا كانت عذرا في الكفر ولم تكن عذرا في البدعة.
فمثلا القول بخلق القرآن قول مبتدع وهو كذلك كفر.
ومع هذا فإن من انتحل هذا القول قد يكون كافرا وقد يكون مبتدعا وقد لا يكون فيه شيء ذلك.
فمن انتحله وكانت حجة الله عليه قائمة وبان ذلك وجب أن يكون كافرا
فترى أن الإمام أحمد رحمه الله قد رمى أحمد بن أبي دؤاد بالبدعة والكفر
أما من انتحله وسلك في تقريره غير طريقة القرآن ودفعه إليه ضرب من التأويل والشبهة كان هذا مانعا من كفره إلا أن طريقته التي سلكها -وحجة الله عليه قائمة في ذلك – مقمصته من قمص أهل البدع ما شاء الله.
ثم إنه قد يتقول هذه المقولة رجل من سطة الناس إنما قرأها في قصة أو سمعها في موعظة أو قيل له إن القرآن مخلوق لأن الله يقول: (الله خالق كل شيء) أو أنه سمع المسألة على وجهها إلا أن الأمر اختلط عليه فظن أن قول أهل البدعة هو قول أهل السنة.
فمثل هذا يتعذر قيام أي من وصف الكفر أو البدعة عليه لما أنت راء فلا يدري معنى ما يقول ولم يسلك طريقة توجب تبديعه!
فيظهر مما سبق أن القول مع أنه قول واحد إلا أن الحكم على القائلين قد اختلف بحسب القائلين به وبحسب الموجب لهذا القول.
وبهذا يظهر خطأ قوم طردوا الحكم في هذه المسألة سواء كان بالعذر أو بعدمه فإنك تجد طائفة لما رأوا أن السلف عذروا قوما من أهل البدعة عن الكفر ولم يكن ذلك العذر مانعا من تبديعهم فإنك تجد أنهم ينتهجون هذا المنهج باطراد فالعذر عندهم في الكفر ولا مدخل له في البدعة.
وأعجب من هؤلاء من قعد قاعدة لا تنخرم بامتناع التكفير والاكتفاء بوصف البدعة.
وهذا الغلط كثير والله المستعان في المتأخرين وذلكم أنهم لم يلتزموا طريقة القرآن بل سلكوا فيه على طريقة تنزيل أحكام الوقائع المعاصرة من أحكام أهل العلم على وقائعهم (تنزلا وإلا فإن التخريج لا يكون دقيقا) فإن أهل العلم وإن كانت أحكامهم فاضلة إلا أنها كانت مناسبة لوقائعهم ولهذا تجد أنه يكثر عند هؤلاء الاستدلال من أحكام أهل العلم المتقدمين وإن استدلوا من النصوص بشيء فإنما يكون مما استدل به مقلدوهم.
ولهذا أيضا إذا ما نوزعوا فإنهم يقعون في الورطات التي ربما شككتهم في ما هم فيه من الحق والله المستعان.
ويظهر كذلك خطأ من جعل العذر في أحد الوصفين عذرا في الآخر باطراد وقد تبين مما سبق أنه متى ما انفكت الجهتان لم يلزم شيء من ذلك والله أعلم.)
ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[03 - 08 - 05, 11:48 ص]ـ
يرفع
ويهمني كثيرا رأي إخواني طلبة العلم خصوصا الشيخ حارث همام.
ـ[الليث السكندري]ــــــــ[01 - 04 - 06, 10:55 م]ـ
أحسن الله إليك و تحقيقك للمسالة رائع