تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثالثة: أن يكون الفعل الظاهر محتملا للكفر وعدمه , لدلالة النصوص على ذلك. فيكون الفعل داخلا ضمن عموم المخالفة , لكن لا يكون قاطعا في الدلالة (بمفرده) على أنه كفر.

وذلك مثل إعانة الكفار على المسلمين. فهو منهي عنه بلا خلاف , لكن يحتمل أن يكون وقع شكا في الإسلام ورغبة في ظهور دين الكفار , ويحتمل أن يكون وقع طلبا للدنيا مع اطمئنان القلب بالإسلام.

فلما رأينا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يستفصل حاطبا عن الذي حمله على فعله (وهو إعانة للكفار بالتجسس) ولم يحكم عليه بالكفر لظاهر عمله , عملنا بمقتضى هذا الحكم النبوي.

الرابعة: أن يقوم بالمعين ما هو كفر قطعا لكن يمنع من تكفيره الاحتمال في قصده , فيكون الحكم على العمل بأنه كفر , أما الفاعل فينظر في توفر الشروط في حقه وانتفاء الموانع.

وشرح هذه الأحوال في كتاب الشيخ عبد الله القرني «ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة».

فأنت ترى أن الخلاف بيننا في مسألة حكم إعانة الكفار على المسلمين ليس مرده إلى الخلاف في حقيقة الإيمان والكفر - كما هو الخلاف مع المرجئة - , وإنما هو خلاف سببه فهم النصوص في المسألة , ووضعها في الحالة التي دل عليها الشرع.

فليس من الإنصاف بعد هذا أن يلمز القائلون بعدم التكفير بالإعانة إذا كانت للدنيا بأنهم مرجئة أو أنهم منهم بسببٍ.

والجواب على سؤالك - سلمك الله -: «هل أنت ممن يقول باشتراط معرفة الباطن في التكفير بالمظاهرة أم لا؟»

هو أنه لا بد من معرفة (الباطن) وهو الاعتقاد الدافع للإعانة للحكم على صاحبها بما يستحقه. (لاحظ: لا بد من معرفة الاعتقاد , لا أنه لا بد من الاعتقاد).

تقول: «فإن كان الجواب بـ (نعم) فما قولك في فتاوى الأئمة هل اطلعوا على الباطن؟

وإن كان الجواب بـ (لا) فما ضابط التكفير بالظاهر عندك؟»

والجواب - كما تقدم - هو ((نعم)).

وأما قولك «فتاوى الأئمة» أي الذين كفَّروا بعض الأعيان بمطلق الإعانة ..

فلعلك تقصد ما جاء عن بعض المالكية , والإمام أحمد.

وسيأتي الكلام عنهما بعد قليل؛ وأنهما ليسا في محل النزاع.

لكنْ عمومًا .. من كفَّر من أهل العلم بمطلق الإعانة (كأئمة الدعوة) فهم إن حكموا بذلك على بعض الأعيان فلا شك أنهم لم يطلعوا على البواطن (ولا يمكنهم) , ولم يتطلبوا الوقوف عليها ولا سألوا عنها , ولا اشترطوه , لأنهم رأوا أن مجرد الإعانة الظاهرة تعتبر كفرا , وهو لازم قولهم ومقتضاه.

مع أني لا أعلم أحدًا من أهل العلم ((صرَّح)) بأن مطلق الإعانة كفر , قبل أئمة الدعوة النجدية رحمهم الله , وهم مجتهدون في فهم النصوص في هذه المسألة , ومأجورون على اجتهادهم إن شاء الله , لكنه ليس ملزما لأحد لم ير معهم حجة بينة.

وما نُقِل عن المالكية سبق أنه في الاستعانة بالكفار , وهي مسألة خلافية معروفة , غير مسألتنا.

أما ما ورد عن الإمام أحمد في بابك الخرمي , فبابك أولًا يقول بالتناسخ , وله فرقة تنتمي إليه يقال لها «الخرمية» , فلعل لهذا أثرا في الحكم عليه.

ثم إن الإمام أحمد إنما قال: «إذا كان هذا فعله فحكمه حكم الارتداد».

فهو أولا لم يطلق القول بأن كل إعانة كفر , وإنما كلامه عن هذه الصورة.

ثم ثانيا: ما فعله بابك الخرمي هو أنه انحاز إلى دار الحرب وغزا المسلمين من هناك. فهل هذه هي مسألة إعانة الكفار على المسلمين , أم هي تتعلق ببعض الخوارج الذين يستبيحون دماء المسلمين وينحازون إلى بلد الحرب ليغزو المسلمين من هناك؟ الذي يظهر من صنيع الخلال في كتاب «السنة» أنه يعتبرها من النوع الثاني.

وثالثا: لو سلمنا بأن فعل بابك كان من إعانة الكفار على المسلمين , فينبغي أن يراعى أن ذلك كان منه بعد انحيازه إلى دار الحرب , وكلام الإمام أحمد كان على هذه الصورة , وقد قال أبو محمد بن حزم قريبا من قوله.

وهذا الحكم (مع أنه أخص من القول بالتكفير بمطلق الإعانة) اجتهاد منهما لم يتبين ((لي)) مستنده من الأدلة. فهما مأجوران عليه أجر الاجتهاد , وليس قولهما ملزما لأحد لم يتبين له دليلهما.

وأنا لم أزعم أن ما أقوله محل إجماع. وقد بينت ذلك أكثر من مرة. فالاعتراض بمجرد قول لعالم ليس حجة قائمة , بل هو محتاج إلى الحجة.

ليتني أكون قد أوضحت وأعربت.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير