قال الحافظ (6/ 579): وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ شَيْبَانَ بْن فَرُّوخ عَنْ هَمَّام بِهَذَا الْإِسْنَاد بِلَفْظِ " أَرَادَ اللَّه أَنْ يَبْتَلِيهِمْ " , فَلَعَلَّ التَّغْيِير فِيهِ مِنْ الرُّوَاة.ا. هـ.
ولتوضيح ذلك:
لفظة: " بدا لله " جاءت من طريقِ همام، ورواها عن همام ثلاثةٌ هم:
1 - عمرو بنُ عاصم وعبد الله بن رجاء الغُدَاني. فقد أخرجها البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3464) بلفظ واحد فيه لفظة " بدا لله أن يبتليهم ".
2 - شيبانُ بنُ فروخ. أخرجها مسلمٌ في كتابِ الزهدِ والرقائقِ برقم (2964) بلفظ " فأراد الله أن يبتليهم ".
وبعد البحثِ والتدقيقِ نجدُ أن البخاري ذكر الحديثَ معلقاً من روايةِ عمرو بنِ عاصم بلفظ " أراد اللهُ " فقد قال: " وقال عمرو بنُ عاصم، حدثنا همام، حدثنا إسحاقُ بنُ عبدِ الله، حدثنا عبدُ الرحمن بنُ أبي عمرة أن أباهريرة حدثهُ أنهُ سمع النبي صلى اللهُ عليه وسلم يقولُ: " إن ثلاثة في بني إسرائيل أراد الله أن يبتليهم ... " الحديث.
أمرٌ آخر؛ العقيلي في " الضعفاء " (4/ 369) أخرج الحديثَ من طريقِ عبدِ اللهِ بنِ رجاء الغداني بلفظةِ: " بدا للهِ " فاتفق اثنان من تلاميذِ همام، وهما عمرو بنُ عاصم وشيبانُ بنُ فروخ على رواية الحديث بلفظِ " أراد الله " في مقابلِ عبدِ اللهِ بنِ رجاءٍ الذي رواهُ عن همام بلفظ: " بدا لله "، والحديثُ مخرجهُ واحدٌ فلابد من الترجيحِ كما هو طريقةُ المحدثين، فيكونُ الراجحُ لفظ " أراد الله " الذي اتفق عليها الاثنان. ويكونُ لفظُ " بدا لله " من تصرفِ عبدِ الله بنِ رجاء.
وبعد الرجوع إلى ترجمته نجد أن يحيى بن معين وعمرو بن علي اتهماه بكثرة التصحيف.
قال يحيى بن معين: كتير التصحيف. وقال عمرو بن علي: صدوق، كثير الغلط والتصحيف ليس بحجة.
فتعصيب الجناية عليه ربما يكون له وجه، فقد يكون صحف الكلمة، ولهذا أعل العلامة الألباني في " مختصر صحيح البخاري " (2/ 446) اللفظة بـ " عبد الله بن رجاء " فقال عند لفظة: " أراد الله ": قلت: وهي رواية مسلم، وهذا هو المحفوظ، وفي إسناد الأولى (عبد الله بن رجاء)، وهو الغداني، وفي حفظه كلام. قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم قليلا ".
ونسبة البداء إلى اللهِ لا يجوز. ومال الحافظ إلى أن الرواية الأولى من تغيير الرواة، وظني أنه من الغداني كما ألمحت إليه، والرواية المحفوظة لم يستحضرها الحافظ أنها عند المصنف، فعزاها لمسلم وحده.ا. هـ.
يقصد لفظة: " أراد الله ".
* القولُ الثالثُ:
أن معنى لفظة: " بدا لله " أي " قضى الله ".
قال ابن الأثير في " النهاية " عند مادة " بدا ": وفي حديث الأقرع والأبرص والأعمى " بَدَا للّه عز وجَلَّ أن يَبْتَلِيَهم " أي قَضَى بذلك، وهو مَعْنى البَداء ها هنا، لأن القضاء سابق. والبَداءُ اسْتِصْواب شيء عُلم بعدَ أن لم يُعْلَم، وذلك على اللّه عز وجل غير جائز.ا. هـ.
وقد مال الحافظ إلى هذا الرأي فقال في الفتح (6/ 579): وَأَوْلَى مَا يُحْمَل عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَاد قَضَى اللَّه أَنْ يَبْتَلِيهِمْ، وَأَمَّا الْبَدْء الَّذِي يُرَاد بِهِ تَغَيُّر الْأَمْر عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَلَا .. ا. هـ.
* القولُ الرابعُ:
أن ضبط الكلمة بالهمز " بدأ لله ".
قال الحافظ في الفتح (6/ 579): وَقَالَ صَاحِب " الْمَطَالِع ": ضَبَطْنَاهُ عَلَى مُتْقِنِي شُيُوخنَا بِالْهَمْزِ أَيْ اِبْتَدَأَ اللَّه أَنْ يَبْتَلِيهِمْ , قَالَ: وَرَوَاهُ كَثِير مِنْ الشُّيُوخ بِغَيْرِ هَمْز وَهُوَ خَطَأ اِنْتَهَى. وَسَبَقَ إِلَى التَّخْطِئَة أَيْضًا الْخَطَّابِيُّ , وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ مُوَجَّه كَمَا تَرَى.ا. هـ.
ومال السندي إلى هذا القول أيضا، كما نقل الأرنؤوط في " تخريج المسند " (32/ 424) عنه عند حديث أبي موسى الأشعري الآتي (رقم 3) فقال: قال السندي: " قوله: فإذا بدا لله. هكذا في النسخ " بدا " من البدو، و" لله " جار ومجرور متعلق به، أي ظهر له تعالى. قيل: وهو خطأ، لأنه بمعنى ظهور شيء بعد أن لم يكن وهو محال في حقه تعالى، إلا أن يُأوَّل بمعنى أراده، والصواب بدأ لله، على أن بدأ، بالهمزة، و" الله " فاعله، أي: شرع الله.ا. هـ.
هذه هي تخريجات العلماء لهذه اللفظة.
والذي يترجحُ – والعلمُ عند اللهِ – أنها من تصرفِ بعضِ الرواةِ، وهو عبدُ الله بنُ رجاء الغداني.
كَتَبَهُ
عَبْدُ اللهِ زُقَيْل
ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[25 - 08 - 04, 10:14 م]ـ
بارك الله فيكم ونفع بكم
وللفائدة ينظر هذا الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=21056#post21056
ـ[السدوسي]ــــــــ[26 - 08 - 04, 04:30 م]ـ
الشيخ الفاضل: عبدالله زقيل.
حتى لايأتي رافضي متفلسف، حبذا لو أضفتم لبحثكم الماتع، ماذكرتموه في آخر البحث موضحا وهو مارواه أحمد في مسنده من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمارة عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجمع الله عزوجل الأمم في صعيد واحد يوم القيامة فإذا بدا لله عزوجل أن يصدع بين خلقه ..... الحديث.
والحديث ضعيف كما ترى، ويمكن - لو صح - أن يحمل على ماذكر الإخوة حفظهم الله.
¥