تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقصد معنى باطلاً ومن هؤلاء فضيلة العلامة محمد بن صالح العثيمين في المناهي اللفظية له حيث ورد هذا السؤال، فأجاب بقوله: إذا كان ذلك صدقاً بأن كان هذا الرجل خليفة يعني ذا سلطان تام على البلد، وهو ذو السلطة العليا على أهل هذا البلد، فإن هذا لا بأس به، ومعنى قولنا: "خليفة الله" أن الله استخلفه على العباد في تنفيذ شرعه لا لأن الله تعالى استخلفه على الأرض، والله سبحانه وتعالى مستخلفنا في الأرض جميعاً وناظر ما كنا نعمل، وليس يراد بهذه الكلمة أن الله تعالى يحتاج إلى أحد يخلفه في خلقه أو يعينه على تدبير شؤونهم ولكن الله جعله خليفة يخلف من سبقه، ويقوم بأعباء ماكلفه الله.

وعلى ما قرره فضيلته يكون من أطلق اللفظ على الفاسق مراعياً المشيئة الكونية لا الشرعية فقوله معتبر، وقد سمعت للشيخ –رحمه الله- كلاماً مفاده جواز إطلاقها إن أريد خليفة لله أي قائم بأمر الله في عباده.

وهذا ما قرره ابن القيم في مفتاح دار السعادة [1/ 152] فقد حكى قول الفريق المجيز وذكر أدلته وسرد النصوص التي تفيد استخلاف الله للإنسان في الأرض كقوله تعالى: (يادواد إنا جعلناك خليفة) (إني جاعل في الأرض خليفة)، (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض) وغيرها من آثار تناقلتها رواة الأخبار، ثم ذكر اعتراض المانعين بأن الخليفة إنما يكون عمن يغيب ويخلفه غيره في الحكم والتدبير، ثم قال [1/ 152]: "وحقيقتها خليفة الله الذي جعله خلفاً عن غيره، وبهذا يخرج الجواب عن قول أمير المؤمنين: أولئك خلفاء الله في أرضه"، ولعلك ترى في هذا التخريج رداً على من منع بزعمه: "الخليفة إنما يكون عمن يغيب ويخلفه غيره" [السابق]، فقد بين ابن القيم على أن حصر المراد فيما ذكروا غير لازم، ثم خرج العبارة على مراد آخر لاحرج فيه عنده وهو خليفة بمعنى مستخلف؛ "جعله الله خلفاً لغيره".

وقد ذكر الفيومي وجهاً آخر في تخريجها فقال في المصباح المنير: " قال بعضهم ولا يقال خليفة الله بالإضافة إلا لآدم وداود لورود النص بذلك. وقيل يجوز وهو القياس لأن الله تعالى جعله خليفة كما جعله سلطانا وقد سمع سلطان الله وجنود الله وحزب الله وخيل الله والإضافة تكون بأدنى ملابسة. وعدم السماع لا يقتضي عدم الاطراد مع وجود القياس ولأنه نكرة تدخله اللام للتعريف فيدخله ما يعاقبها وهو الإضافة كسائر أسماء الأجناس" [ص178]. ولعل هذا وجهاً آخر في تخريج الجملة على معنى صحيح غير الأول الذي أشار إليه ابن القيم، وكأن الفيومي يرى الإضافة هنا إضافة تشريف أو إيجاد، وقد قرر أهل العلم أن الإضافة إلى الله تكون على "ثلاث مراتب: إضافة إيجاد، وإضافة تشريف، وإضافة صفة" [فتح ابن حجر 13/ 444]، والإضافة في جند الله وحزب الله وخيل الله إضافة تشريف، وربما أراد إضافة إيجاد من نحو قولك: (هذا خلق الله)، أي أن الله قدره خليفة. وهو وجه سائغ وكأنه اعتبر اللفظ (خليفة) اسماً دالاً على من يلي أمر المسلمين ثم بين سبب الإضافة، وقد يرجع هذا إلى المعاني السابقة عند النظر إلى المعنى مجراً

ولعل لكون وصف خليفة المسلمين بهذا اللقب محل إلباس عند البعض كثر إيراد أهل العلم المحققين متقدميهم ومتأخريهم النهي عن هذا اللفظ في هذا الباب، أما إذا أطلق في حق جنس الإنسان فالأمر أوسع وقد أشار ابن خلدون في مقدمته إلى هذا فقال: "واختلف في تسميته خليفة الله. فأجازه بعضهم اقتباساً من الخلافة العامة التي للآدميين في قوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة) وقوله: (جعلكم خلائف الأرض) "، ثم ذكر منع الجمهور بالعلة التي ذكرها شيخ الإسلام في منهاج السنة حيث قال: "والمقصود هنا أن الله لايخلفه غيره فإن الخلافة إنما تكون عن غائب وهو سبحانه شهيد مدبر لخلقه لايحتاج في تدبيرهم إلى غيره". ولعلك تلحظ في نقل ابن خلدون تفريقه بين الاستخلاف العام لجنس الإنسان فقد جعل حجة من أجاز إطلاق خليفة الله على خليفة المسلمين القياس عليه فكأن المشهور جوازه، ثم حكى أن قول الجمهور المنع من إطلاق خليفة الله على خليفة المسلمين وفي هذا منع من إلحاق فرع بأصل، ولاشك أن إطلاق خليفة الله على خليفة المسلمين صورة خاصة من صور إطلاق هذه الألفاظ، فما حكي من إنكار الجمهور متوجه نحو الثاني الخاص لا الأول.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير