تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحقيقة الأمر ليس في هذا ما يعارض ما نقله شيخ الإسلام في منهاج السنة فإنه كان يعني الرد على أهل وحدة الوجود ومن يزعم أن الإنسان خلف عن الله، أو أن أحداً من البشر وكيلاً عنه يدبر شأن الخلق، ولم يكن يقصد الرد على من يطلق لفظ خليفة الله بمعنى أن الله جعله خليفة يخلف عن سلف بل قرر هذا المعنى ولم ينف ورود اللفظ له فشيخ الإسلام إنما أنكر إطلاقاً مخصوصاً يبين ذلك معرض كلامه فقد قال -رحمه الله- قبل النقل الآنف عنه في تفسير الآيات (إني جاعل في الأرض خليفة) (يادود إنا جعلناك خليفة) ونحوهما "أي خليفة عمن قبلك من الخلق، ليس المراد أنه خليفة عن الله، وأنه من الله كإنسان العين من العين كما يقول ذلك بعض الملحدين القائلين بالحلول والاتحاد". بل لم يتعرض شيخ الإسلام في بادئ الأمر إلى الجملة محل الإشكال (خليفة الله) وحكم إطلاقها، وإنما منع من حمل معناها على معنى معين، واستدل لصوابه بتخَرَّج أو حمل ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه في النهي عن مناداته بخليفة الله على ذلك الوجه الذي ذكره في الرد على أهل وحدة الوجود ومن شاكلهم، ولذلك إذا تتبعت كلام شيخ الإسلام في هذا المعنى لاتجده يذم اللفظ إلاّ عند حمله على هذا المعنى وفي مثل هذا السياق أو نحوه من رد على اتحادية أو حلولية أو أهل شرك، أما في غيره فلا حرج ولا إشكال في إطلاقه عنده وهذا ظاهر صنيعه كما وسوف تأت الإشارة إليه. [كلام شيخ الإسلام في منهاج السنة 1/ 510 – 7/ 352 - 353 وكذلك في الفتاوى الكبرى 2/ 553].

ورود اللفظة في الآثار أوالأخبار المرفوعة:

وذلك على ما أشير إليه من تفصيل مر، وقبل ذلك أشير إلى أن أهل العلم درجوا على استعمالها وعلى رأس هؤلاء من نُقل عنهم الكلام في النهي عنها، الأمر الذي يدلك أنهم أرادوا أمراً خاصاً كما مضت الإشارة.

فمن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية فعلى الرغم من كلامه في المسألة في منهاج السنة وغيرها، قال عن عمر بن عبدالعزيز [الفتاوى 27/ 93]: "وقد كان رضي الله عنه وهو خليفة الله على الأرض قد وكل أعواناً يمنعون الداخل من تقبيل الأرض"، وهذا يدلك على صواب التوجيه وأن إنكاره الجملة كان في معرض يفهم منه حملها على محمل سيء نحا إليه اتحادية وأهل الشرك ونحوهم.

أما ابن القيم الذي نقل التفصيل البديع الذي أشار إليه البحث المحال عليه نقلاً عن العلامة بكر نقلاً عن مفتاح دار السعادة، فلم يحرمها بل نفى أن تحتمل معنى باطلاً فقط حصرها المانعون فيه، وحملها على محمل مقبول، ثم نقل في الزاد القول بالكراهة عند إطلاقها للسلطان، ومما يدلك على أنه أراد بذلك التفصيل المشار إليه، هو تخريجه لعبارة علي رضي الله عنه في أثر الكميل بن زياد: "أولئك خلفاء الله في أرضه" على ما سبقت الإشارة إليه في مفتاح دار السعادة. ويدل عليه أمر آخر وهو الفصل الذي عقده في بدائع الفوائد بعنوان: "الإنسان خليفة الله في الأرض".

أما غيرهم من أهل العلم فستعمالهم لها أكثر من أن يحصر، وبعد تتبع يسير أجريته عن طريق الموسوعات الإلكترونية والشبكة العنكبوتية وجدت أن بالإمكان تخصص كراس لنقل استعمالهم لها، ومن ضمن هؤلاء العلامة عبدالرحمن الدوسري –رحمه الله-[الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة ص20] وهو من مشايخ نجد الكبار المشهورين.

ولكن الأهم من ذلك هو استعمال السلف لها دون نكير، كما في أثر الكميل المشهور، فإن قيل إن الأثر فيه ضعف من حيث الصناعة، قيل وإن كان فيه ضعف فإنه من الشهرة بمكان حتى قال فيه ابن عبدالبر في الجامع: "وهو حديث مشهور عند أهل العلم يستغني بشهرته عن الإسناد لشهرته عندهم"، ومع شهرته لم يُنقل استنكار أحد من أهل العلم فيه قول علي –رضي الله عنه فيه- فيه: "أولئك خلفاء الله .. "، بل الذي نقل عنهم يدل على إقرارهم بحسن معناه، فقد قال الخطيب: "حديث حسن من أحسن الأحاديث معنى وأشرفها لفظاً" [الفقيه والمتفقه ص50]، ونقل كلامه ابن القيم في مفتاح دار السعادة مقراً [1/ 123].

وقد رُويت أيضاً عن سعيد بن جبير عندما سأله الحجاج ماتقول في أبي بكر فقال: "خليفة الله .. " [الحلية 4/ 295]، ودأب أهل السير على ذكر تلك الحادثة في سياق مناقبه رحمه الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير