تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذه ثمانية أشياء، وأما ما عداها فإنه كتب عليها الفناء والزوال، ثم استثنى وقال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:27] والآية إنما سيقت في مساق المدح فقوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] ليس مدحاً، إنما يأتي المدح ويكمل إذا قال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27] فبعدما حكم بالزوال والفناء للمخلوقات على ظهر هذه البسيطة، استثنى وبين بقاء الله عز وجل فقال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:27] ذلك أن الله عز وجل حي لا يموت، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: {أنت الحي الذي لا يموت والإنس والجن يموتون} وقال الله عز وجل: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58] وذلك أن حياته عز وجل حياة كاملة تامة، وهي صفة لذاته بخلاف المخلوق فإن حياته حياة ناقصة، قد أفاضها عليه ربه جل وعلا، ومنحه إياها، فيسلبها منه متى شاء، ولهذا قال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:27] وقوله: (ذو الجلال) فهذه صفة للوجه ولهذا جاءت مرفوعة بـ (ذُو)؛ لأنها صفة لـ (وجه) وهو فاعل وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:27] فهي صفة للوجه.

مسلك إثبات صفة الوجه من الآية

ويؤخذ من هذه الآية إثبات صفة الوجه لله تعالى من عدة أدلة منها:-

أنه وصف الوجه بقوله: ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:27] وهذا دليل على أنه صفة له جل وعلا.

ومنها: أنه أضافه إلى الذات- أضافه إلى ذاته العظيمة- فقال: وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27] ولو كان الوجه هو الذات- كما قال بعض أهل البدع- لم يكن لإضافته إلى الذات معنى.

ومن الأدلة على أن الوجه غير الذات وأن الوجه صفة لله عز وجل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم عطفه على الذات، كما في حديث أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: {أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم} وذلك عند دخول المسجد، والحديث صحيح، فلو كان الوجه هو الذات، لم يكن لعطفه على الذات معنى، فلما عطف عليه عُلم أن الوجه صفة لله عز وجل وليس ذاته، وليس الوجه ذاته، فقال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:27].

محاجة المبتدعة في إثبات صفة الوجه والرد عليهم

وقد احتج بعض أهل البدع هنا بقولهم: إن هذا دليل على أن الوجه هو الذات، قلنا: كيف؟

قالوا: لأن البقاء هل هو خاص بالوجه أم لذاته- جل وعلا؟

الجواب: أنه ليس خاصاً بالوجه، بل لذاته سبحانه، قالوا: إذاً هذا دليل على أن الوجه

هو الذات وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27] أي: يبقى ربك.

هذا كلام من؟

هذا كلام أهل البدع الذين أنكروا صفة الوجه، فيرد عليهم بأمور:-

منها: أن يقال إنه ذكر الوجه هاهنا وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27] لأن إثبات بقاء الوجه يستلزم إثبات بقاء الذات، فحينئذ يكون المقصود بالوجه بقاء وجهه عز وجل، ويلزم من هذا بقاء ذاته.

الجواب الثاني: أن يقال: حتى على التسليم، بأن مقصود وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27] أي: ويبقى ربك. فإن ذكر الوجه لله تعالى، لم يكن ليسوغ أو ليصلح لو لم يكن ثابتاً له في الأصل تعالى، فإن الإنسان يقبح منه مثلاً أن يقول: وجه الريح، لأن الريح ليس لها وجه، أو وجه الجدار؛ لأن الجدار ليس له وجه، فلما قال سبحانه: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27] علم أن الوجه صفة يوصف الله تعالى بها، وتثبت له، فلهذا ذكره في السياق- هذا فضلاً عن أن هناك نصوصاً أخرى لا تقبل مثل هذا التأويل، وذلك كما في أحاديث -النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها الحديث الذي ذكرته: {أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم} وكما في قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: {إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه} فهذا صريح في إثبات الوجه له تعالى.

ثم ذكر قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88] وهي كالآية السابقة، حكم الله تعالى فيها بالهلاك على كل شيء إلا وجهه، ففيها إثبات صفة الوجه له تعالى، وبقاء الوجه يستلزم بقاء الذات كما سبق، وذكر الوجه له حتى لو كان المقصود إلا ذاته، فذكر الوجه لم يكن ليسوغ لو لم يكن الوجه صفة ثابتة له تعالى، وهذه فائدة ينبغي أن تعرف في جميع الصفات، بمعنى أن أهل البدع قد يتمسكون بنص من النصوص، يؤولون الآية فيه على غير ما دلت عليه، فمثلاً يقولون: في قوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] فإذا قلنا لهم: هذا دليل على إثبات صفة اليد، قالوا: لا، لأن الملك ليس في يده حقيقة، وإنما المعنى: في تصرفه وتدبيره.

فنقول: حتى لو سلمنا جدلاً أن هذا هو المعنى، فإن قوله: بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] لم يكن ليسوغ لولا أن اليد في الأصل ثابتة له، مع أننا نستعين بالنصوص الأخرى الواردة في المقام والسياق نفسه لإثبات ما نفوه، وتحقيق ما أولوه.

http://audio.islamweb.net/islamweb/...dioID=14171#187

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير