ـ[أبو عمر المدني]ــــــــ[01 - 09 - 04, 02:14 م]ـ
http://www.d-sunnah.net/forum/showthread.php?t=20814
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد، كثير ما تحتج الرافضة على أهل السنّة والجماعة بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} وتريد باحتجاجها هذا إلزام أهل السنّة بأمرين: إما القول بأن ذات الله هالكة إلا وجهه، وإما القول بتقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز وقوله تعالى من باب المجاز. فنقول في الرد على هذه الشبهة:
إن قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} ذكر الوجه تخصيصاً، وقصد الذات عموماً. وهذا دارج في لغة العربية التي نزل بها القرآن.
فالعبرة بعموم المعنى لا بخصوص السبب، إلا إذا قام دليل على التخصيص، وكثير من آيات القرآن ذوات أسباب في نزولها، وقصر أحكامها في دائرة أسبابها ليس إلا تعطيلاً للتشريع. فإن قاعدة توجيه الخطاب في الشريعة، هي أن خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة، كما في قوله: {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً} فنفهم بأن حكم هذه الآية عام لجميع الأمة؛ للاستواء في أحكام التكليف، ما لمن يرد دليل يجب الرجوع إليه دالاً على التخصيص، ولا مخصص هنا.
وكذلك قوله: {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً} خص ذكر فرداً واحداً، وقصد عموم المسلمين.
مثال آخر: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} وهذا الاستئذان أدب عام لجميع بيوت المؤمنين، ولا أحد يقول بقصر هذا الحكم على بيوت النبي دون بقية بيوت المؤمنين؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "إياكم والدخول على النساء" رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي.
فإن تفسير أهل السنّة والجماعة الوجه بالذات في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} ليس تأويلاً - بالمعنى الكلامي - بل تفسيراً، وهذا التفسير معلوم عند لغة العرب. قال الإمام الشافعي:
وصن الوجه أن يذل ويخضع = إلا إلى اللطيف الخبير
فلم يقصد الشافعي بأن لا يخضع وجه المسلم فقط لغير الله، بل عنى أن لا يخضع ويذل المسلم بذاته إلى غير الله. ولكن، إنما ذكر الوجه تخصيصاً، وقصد الذات عموماً.
وهو كقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} ذكر الوجه خصوصاً، وقصد الذات عموماً – ولله المثل الأعلى -. فلم يقل أحداً من أهل السنّة والجماعة بأن الله هالك كله إلا وجهه، فإن هذا القول قولاً فاحشاً، بل قد عرف بأن هذا هو قول فرقة من فرق الشيعة، وهم أتباع بيان بن سمعان التميمي، قالوا: "يهلك كله إلا وجهه؛ لقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} ".
انظر: الملل والنحل، لأبي الفتح الشهرستاني، 1/ 153.
ومن الواضح بأن الرافضة قد ورثت عقيدة التجسيم التي وقع فيها سلفهم ابن سمعان المجسم - عليه من الله ما يستحق -.
فإن معنى الوجه في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، هو نفس المعنى الوجه في قوله تعالى لنبيه محمد رسول الله: {فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ}، من حيث الخاص والعام، فإنما خص ذكر الوجه، وقصد الذات.
فلم يقل أحداً من المسلمين بأن محمد رسول الله سلم وجهه لله فقط، فهذا القول لا يقوله إلا زنديق أو - ربما - شيعي.
ولم يقل أحداً من الأمة ممن فسر الوجه بالذات في قوله تعالى: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ}، بأن محمد رسول الله، لا وجه له، لأن تأويل الوجه ها هنا الذات، بل إن في قوله تعالى إثبات بأن نبيه ورسوله محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - له وجه وذات.
¥