ف أعظم حجة بالغة لكسر قول الرافضة وبطل دعواهم. قول الله عز وجل: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} يعني الريح التي أرسلت على عاد، فهل أبقت الريح يا بشر شيئا لم تدمره؟
فإن قالوا: لا لم يبق شيء إلا دمرته، وقد دمرت كل شيء كما أخبر الله تعالى لأنه لم يبق شيء إلا وقد دخل في هذه اللفظة.
قلنا لهم: قد كذب الله من قال هذا بقوله: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} فأخبر عنهم أن مساكنهم كانت باقية بعد تدميرهم، ومساكنهم أشياء كثيرة. وقال عز وجل: {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} وقد أتت الريح على الأرض والجبال والمساكن والشجر وغير ذلك فلم يصر شيئا منها كالرميم وقال عز وجل: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} يعني بلقيس، فكأن بقوله هذا يجب أن لا يبقى شيء يقع عليه اسم الشيء إلا دخل في هذه اللفظة وأوتيته بلقيس، وقد بقي ملك سليمان وهو مائة ألف ضعف مما أوتيته لم يدخل في هذه اللفظة.
فهذا كله مما يكسر قولهم ويدحض حجتهم، ومثل هذا في القرآن كثير مما يبطل قولهم، ولكني أبدأ بما هو أشنع وأظهر فضيحة لمذهبهم وأدفع لبدعتهم، قال الله عز وجل: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} وقال: {لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً} وقال عز وجل: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ} وقال عز وجل: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} فأخبر الله عز وجل بأخبار كثيرة في كتابه: أن له علماً، أفتقر الرافضة بأن لله علماً كما أخبرنا أو يخالفوا التنزيل ويقول بأن ليس لله علماً، لأن العلم مخلوق لقوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وهذه لفظة لم تدع شيئا إلا أدخلته في الخلق ولا يخرج عنها شيء ينسب إلى الشيء لأنها لفظة استقصت الأشياء؟
فلن تستطيع الرافضة الإجابة عن هذه الحجة بلا حيدة، ولا يأبوا أن يصرحوا بالكفر، فإن قالوا: "ليس لله علم"، فيكون قد ردوا نص التنزيل فتتبين ضلالهم وكفرهم، وإن قالوا: "إن لله علماً"، سألناهم عن علم الله هل هو داخل في "كل الأشياء" المخلوقة أم لا؟ فإن قالوا: "لا"، قلنا لهم: وما الفرق بين عدم دخول علم الله في كل شيء المخلوق، وعدم دخول الذات الله وصفاته في كل شيء الهالك؟!
لعلك يا أخي القارئ علمت ما أردنا، وما يلزم الرافضة في ذلك من كسر قولهم وإبطال حجتهم.
وقد احتججنا على الرافضة بعين قول الإمام عبد العزيز بن يحيى الكناني - رحمه الله - في مناظرته الشهيرة مع رأس الجهمية في عصره: بشر بن غياث المريسي.
فإن في تفسير الوجه في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، بالذات، لا يقتضي تعطيل صفة الوجه عن الله تعالى أو سائر الصفات، لأن في لفظ قوله تعالى ثلاثة دلالات:
الأولى: الدلالة المطابقية.
الثانية: الدلالة التضمنية.
الثالثة: الدلالة الالتزامية.
فالدلالة المطابقية: هي دلالة اللفظ على تمام ما وضع له من حيث أنه وضع له. وذلك مثل دلالة لفظ (الوجه) على ذات الله. وسميت مطابقية لتطابق اللفظ والمعنى، وتوافقهما في الدلالة.
أما الدلالة التضمنية: فهي دلالة اللفظ على جزء ما وضع له في ضمن كل المعنى. مثل دلالة لفظ (الوجه) على ذات الله وحدها، وعلى صفة الوجه وحدها. وسميت وضعية لأنها عبارة عن فهم جزء من الكل، فالجزء داخل ضمن الكل أي في داخله. بصرف النظر عن استعمال (الجزء والكل) بل يقال على الصفة والموصوف.
وأما الدلالة الالتزامية: فهي دلالة اللفظ على خارج عن معناه الذي وضع له، مثل دلالة قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} على صفة (البقاء) وعلى (العظمة) وغيرهما من صفات الله الكمال.
وهذا كله معلوم بالتتبع ومن الشواهد اللغوية.
فإن قالوا: "بأن هذا مجاز والمجاز لا يجوز عند أهل السنّة"، فنجيب عن كلامهم في تقسيم الكلام في القرآن إلى حقيقة ومجاز، بجوابين:
¥