يسمى عضوا فإذا ارتفع هذا بقي أنه تعالى ذاته لا تشبه الذوات مستحقة للصفات المناسبة لها في جميع ما تستحقه فإذا ورد القرآن وصحيح السنة في حقه بوصف تلقي في التسمية بالقبول ووجب إثباته له مثل ما يستحقه ولا يعدل به عن حقيقة الوصف إذ ذاته تعالى قابلة للصفات وهذا واضح بين لمن تأمله"، وهذا هو الصيح فلا يلزم مثبة المعنى على هذي السلف من إثبات الصفات الذاتية الخبرية قول بتعضية ولا إثبات لجارحة.
ولعله يحسن إدراج شيء من أقوال أهل العلم التي تعضد ما سبق ذكره بشيء من الإجمال:
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية [وكلامه فيما يظهر وإن لم يحل جمع لكلام بثه شيخ الإسلام في غير موضع] قال -ومابين القوسين فليُتأمل: " .. اعلم أن المخاطب لا يفهم (المعاني) المعبر عنها باللفظ إلاّ أن يعرف عينها (أو مايناسب عينها) ويكون بينهما قدر مشترك (ومشابهة في أصل المعنى)، وإلاّ فلا يمكن تفهيم المخاطبين بدون هذا قط، حتى في أول تعليم معاني الكلام بتعليم معاني الألفاظ المفردة، مثل تربية الصبي الذي يعلم البيان واللغة ينطق له باللفظ المفرد ويشار له لمعناه، (إن كان مشهوداً بالإحساس الظاهر أو الباطن) فيقال له لبن ... ويشار له إلى كل مسمى من هذه المسميات ... فدلالة اللفظ على المعنى هي بواسطة دلالته على ماعناه المتكلم وأراده وإرادته وعنايته في قلبه فلا يعرف باللفظ ابتداء ولكن يعرف المعنى بغير اللفظ حتى يعلم أولاً أن هذا المعنى المراد هو الذي يراد بذلك اللفظ ويعنى به فإذا عرف ذلك ثم سمع اللفظ مرة ثانية عرف المعنى المراد بلا إشارة إليه، وإن كانت الإشارة إلى ما يحس بالباطن مثل الجوع ... فإنه لا يعرف اسم ذلك حتى يجده بنفسه فإذا وجده أشير له إليه وعرف أن اسمه كذا .....
إذا عرف ذلك فالمخاطب المتكلم إذا أراد بياناً معان فلا يخلو إما أن يكون مما أدركها المخاطب المستمع إليه بإحساسه وشهوده أو بمعقوله (وإما أن لا يكون كذلك)، فإن كانت من القسمين الأولين لم يحتج إلاّ إلى معرفة اللغة، بأن يكون عرف معاني الألفاظ المفردة ومعنى التركيب فإذا قيل له بعد ذلك (ألم نجعل له عينين* ولساناً وشفتين) .. ونحو ذلك فهم المخاطب بما أدركه بحسه، (وإن كانت المعاني التي يراد تعريفه بها ليست مما أحسه وشهده بعينه ولا بحيث صار له معقول كلي يتناولها حتى يفهم به المراد بتلك الألفاظ، بل هي مما لم يدركه بشيء من حواسه الباطنة والظاهرة، فلا بد في تعريفه من طريق القياس والتمثيل والاعتبار بما بينه وبين معقولات الأمور التي شاهدها من التشابه والتناسب وكلما كان التمثيل أقوى كان البيان أحسن والفهم أكمل) ........ وكذلك لمّا أخبرنا بأمور تتعلق بالإيمان بالله وباليوم الآخر وهم لم يكونوا يعرفونها قبل ذلك (حتى يكون لها ألفاظ تدل عليها بعينها أخذ من اللغة الألفاظ المناسة لتلك بما تدل عليه من القدر المشترك بين تلك المعاني الغيبية والمعاني الشهودية التي كانوا يعرفونها) ....... كما أخبرهم **يعني النبي صلى الله عليه وسلم –وما بين النجوم مني**عن الأمور الغيبية المتعلقة بالله واليوم الآخر فلابد أن يعلموا معنى مشتركاً وشبهاً بين مفردات تلك الألفاظ وبين مفردات ألفاظ ما علموه في الدنيا بحسهم وعقلهم ...... فينبغي أن تُعرف هذه الدرجات:
أولاها: إدراك الإنسان المعاني الحسية المشاهدة.
وثانيها: عقله لمعانيها الكلية.
وثالثها: تعريف الألفاظ الدالة على تلك المعاني الحسية والعقلية
فهذه المراتب الثلاث لابد منها في كل خطاب. فإذا أخبرنا عن الأمور الغائبة فلابد من تعريفنا المعاني المشتركة بينها وبين الحقائق المشهودة والاشتباه الذي بينهما وذلك بتعريفنا الأمور المشهودة ثم إن كانت مثلها لم يحتج إلى ذكر الفارق .... (وإن لم يكن مثلها بين ذلك بذكر الفارق بأن يقال ليس ذلك مثل هذا ونحو ذلك، (وإذا تقدر انتفاء المماثلة كانت الإضافة وحدها كافية في بيان الفارق) (وانتفاء التساوي لايمنع منه وجود القدر المشترك الذي هو مدلول اللفظ المشترك وبه صرنا نفهم الأمور الغائبة ولولا المعنى المشترك ما أمكن ذلك قط .. " هذا ما ذكره ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية 1/ 66 - 68 ط الرسالة
فتأمل قوله: "اعلم أن المخاطب لا يفهم المعاني المعبر عنها باللفظ إلاّ أن يعرف عينها " وهذا يستلزم معرفة الكيف وله طرق ثلاثة ذكرها أهل العلم (رؤية - رؤية مثيل - خبر صادق بها) وكلها ممتنعة في حق الله تعالى.
ثم قال -رحمه الله-: "أو مايناسب عينها ويكون بينهما قدر مشترك ومشابهة في أصل المعنى وإلاّ فلا يمكن تفهيم المخاطبين بدون هذا قط"
ثم قال: "وإن كانت المعاني التي يراد تعريفه بها ليست مما أحسه وشهده بعينه ولا بحيث صار له معقول كلي يتناولها حتى يفهم به المراد بتلك الألفاظ، بل هي مما لم يدركه بشيء من حواسه الباطنة والظاهرة، فلا بد في تعريفه من طريق القياس والتمثيل والاعتبار بما بينه وبين معقولات الأمور التي شاهدها من التشابه والتناسب وكلما كان التمثيل أقوى كان البيان أحسن والفهم أكمل".
وهذان يتوجهان في معرفة معاني الصفات، وإذا قالت المفوضة أو المأولة أنتم بذلك تقعون في التشبيه نرد عليهم بما قاله شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية:
"وأما قولهم إن أردتم إثبات صفة تقارب الشاهد فيما يستحق مثله الاشتراك في الوصف فهذا هو التشبيه بعينه فنقول لهم المقاربة تقع على وجهين:
أحدهما: مقاربة في الاستحقاق لسبب موجبه التمام والكمال وتنفي النقص.
والثاني: مقاربة في الاستحقاق لسبب تقتضيه الحاجة ويوجبه الحس ومحال أن يراد به الثاني لأن الله تعالى قد ثبت أنه غني غير محتاج ولا يوصف بأنه يحتاج إلى الإحساس لما في ذلك من النقص.
فيبقى الأول وصار هذا كإثبات الصفات الموجبة للكمال ودفع النقص".
¥