«هذا القسم الثاني (أي خبر الآحاد) لا تتكون منه حجة ملزمة في نطاق
الاعتقاد، بحيث يقع الإنسان في طائلة الكفر إن هو لم يجزم بمضمون غير صحيح
لم يرق إلى درجة المتواتر، وبقي في حدود رواية الآحاد. بل يسعه أن لا يجزم به
دون أن يخدش ذلك في سلامة إيمانه وإسلامه (!!) وإن كان ذلك يخدش في
عدالته ويستوجب فسقه». هل تريد دليلاً على هذه الطامة!؟ خذ -إذن- هذه
الطامة الكبرى: (دليل ذلك أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ما في ذلك ريب ولا
خلاف (من يرتاب في ذلك!؟) والاعتقاد انفعال قسري وليس فعلاً اختيارياً
(الرجل ليس نائماً ولا يشرب، ونحلف على ذلك!) فإن وجد العقل أمامه ما يحمله
على الانفعال واليقين بأمر ما، اصطبغ بذلك اليقين لا محالة، دون أن يكون له في
ذلك أي اختيار (أي اختيار مهما صغر!؟) وإن لم يجد أمامه ما يحمله على ذلك
الانفعال واليقين، هنا بيت الفرس!) لم يجد بداً من الوقوف عند درجة الريبة أو
الظن، دون أن يكون له أيضاً في ذلك أي إرادة أو اختيار (!) فإن أجبرت العقل
مع ذلك بالجزم واليقين، دون أن تتوافر أمامه موجبات الجزم؟ فقد حملت العقل ما
لا يطيق (مسكين العقل!)، ودين الله تعالى مبرأ من ذلك (ص 66).
هكذا يستدل الرجل! ألا يصلح كلامه شرحاً لهذه الرباعية من رباعيات عمر
الخيام:
لبست ثوب العمر لم أستشر وحرت فيه بين شتى الفكر
وسوف أنضو الثوب عني ولم أدرك لماذا جئت أين المفر!؟
«أما في نطاق الأحكام السلوكية من عبادات ومعاملات ونحوهما، فقد دل
الخبر اليقيني المتواتر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن المسلم متعبد
في ذلك بالأدلة الظنية. فحيثما وجد حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
يتضمن حكماً في العبادات أو الأحكام الشرعية الأخرى، وكان الراجح والمظنون
في ذلك الحديث هو الصدق لتوفر شرائط الصحة فيه، وجب عليه -بالدليل اليقيني
المتواتر- التمسك بذلك الحديث والاهتداء بهديه والالتزام بمقتضاه.
أما الدليل اليقيني على ذلك، فهو ما تواتر عن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- من إرساله آحاد الصحابة إلى البلاد والقبائل المجاورة والبعيدة، ليعلموا أهل
تلك البقاع أحكام الشريعة الإسلامية من عبادات ونحوها. وقد علمنا أن العقل يظل
يفرض احتمال السهو والغلط والنسيان في حق أولئك الآحاد، ومع ذلك فإن النبي
عليه الصلاة والسلام كان يأمر أهل تلك البلاد باتباع ما يرشدهم إليه هؤلاء الآحاد
الذين يبعثهم منتشرين في تلك الأصقاع. فكأنه بذلك يقول لهم: حيثما أخبركم
هؤلاء الرسل بشيء من أمر دينكم، مما يدخل في نطاق التطبيقات السلوكية،
وظننتم الصدق في كلامهم، فواجبكم تطبيق ذلك والأخذ به» (ص 76).
لم يفصل لنا المؤلف سر هذا التفريق بين العقائد والأحكام السلوكية من
عبادات ومعاملات! ولم يسق أدلة على هذا التفريق، بل إن الأدلة التي أشار إليها
تدل على غير ما يريد، فآحاد الصحابة الذين كان رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- يرسلهم إلى القبائل والبلاد كانوا يحملون رسائله ووصاياه وكان من تبلغه هذه
الرسائل أو الوصايا مكلفاً بطاعتها برمتها، لا أن يتوقف فيما يخص العقائد أو
يرفضها؛ ويقبل الباقي، بل إن التفريق بين أحكام الشرع إلى عقائد وعبادات
ومعاملات لم يعرفه الصحابة ولا العصور الأولى المفضلة وإنما حدث فيما بعد ذلك.
ثم إن قوله عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «فكأنه بذلك يقول لهم:
حيثما أخبركم هؤلاء الرسل بشيء من أمر دينكم مما يدخل في نطاق التطبيقات
السلوكية» تقول على النبي عليه الصلاة والسلام، ونسبة ما لم يقله إليه -صلى
الله عليه وسلم- فمن أين له هذا القيد: مما يدخل تحت نطاق التطبيقات السلوكية!؟
ولا أدل على مجازفة البوطي من قوله عن الحديث الضعيف أنه يجوز العمل
به فيما ذهب إليه جل علماء الحديث في فضائل الأعمال، بشرط أن لا يصل
الحديث إلى درجة متناهية في الضعف، وبشرط أن لا يعتقد راوي الحديث صحته
ففي هذه العبارة (أ) عدم دقة في الصياغة، فالأدق أن تكون هكذا: «يجوز العمل
به في فضائل الأعمال، فيما ذهب إليه ... »
ب) تلبيس وتدليس مقصود في قوله جل علماء الحديث.
ج) عدم استيفاء الشروط التي وضعها من أجاز العمل بالحديث الضعيف في
¥