والجواب - والله أعلم - أن منها ما يأتي بسبب العجلة وقلة الصبر كهذه التي
أشرنا إليها آنفاً؛ ومنها التي تجمع إلى العجلة وقلة الصبر قليلاً من الهوى كهذه التي
نعثر عليها في هامش [ص 101] حيث يقول:
(إلا ما ذهب إليه الإمام أحمد من حكمه بكفر تارك الصلاة ولو لم يكن جاحداً
لها). فما الدافع لهذا الإجمال المخل؟ إن لم يكن ما ذكرنا؟! وإلا فالمسألة فيها
تفصيل معروف عند العلماء، وليس هذا الذي ذكره هو رأي الإمام أحمد وحده، فقد
قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي - رحمه الله - في كتابه في الصلاة:
(ذهب جملة من الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم إلى تكفير تارك
الصلاة متعمداً لتركها حتى يخرج جميع وقتها، منهم: عمر بن الخطاب، ومعاذ
بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، وجابر، وأبو الدرداء، وكذلك روي
عن علي بن أبى طالب، هؤلاء من الصحابة. ومن غيرهم: أحمد بن حنبل،
وإسحق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، وإبراهيم النخعي، والحكم بن عيينة،
وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبى شيبة، وأبو خيثمة
زهير بن حرب). [كتاب الصلاة وحكم تاركها لابن القيم، 5 1].
ولكن هناك من التلبيسات ما يبدو أنه يقصد إليه قصداً، كتلك الواردة في [ص
102] (والصلاة جماعة خلف كل بر وغيره)!
فالمعروف عند المسلمين: الصلاة خلف كل بر (وفاجر) فما الداعي يا ترى
لوضع: (غيره) موضع (فاجر) هل هو النسيان؟ أم هو سبق قلم؟ أم أن الكلمتين
مترادفتان تقوم إحداهما مقام الأخرى؟!
لا شك أن كلمة (غيره) أعم من كلمة (فاجر).
وعلى كل حال؛ فكان يمكن أن تعد هذه هنة من الهنات التي لا يوقف عندها
لولا ما بلونا من الشيخ وضعه للرقة والنعومة والقسوة والتشنيع والتشهير في غير
مواضعها، فلعله - وهو في زمن كثر فيه هذا الصنف من الأئمة - لا يريد أن
يكسر خاطرهم بمثل هذه الكلمة التي قد يعتبرها نابية؟! أو لعله يجوز إمامة المنكِر
معلوماً من الدين بالضرورة أو من في حكمه - وهو غير برٍّ حتماً - وهكذا قد يظن
أنه بهذه (المجاملة) ينجو من المحذور فيقع في المحظور. ولكن هل عليه بأس
بمجاراة الزمن، والصحابة - الذين هم مَن هم - قد جاروه؟!
ألفاظ غير لائقة بالشيخ:
يقول عن الصحابة والتابعين:
(ولكن، ها هم اليوم، وقد تمازج جيل التابعين مع الصحابة، قد
غيروا طريقهم، وفتحوا صدورهم للجدل في كل مسائل الاعتقاد، (بلا استثناء؟!)
وفي مقدمتها تلك التي كانوا بالأمس ينغضون لها الرأس والفكر قبولاً واستسلاماً دون
أي بحث أو نقاش .. ) [ص42]
لا نريد أن نناقش هذه الفقرة من الناحية الموضوعية، بل من الناحية الشكلية
فقط، فنقول:
استخدام هذه الكلمة (ينغضون لها الرأس) في وصف الصحابة أو التابعين
أمر غير لائق، فقد وردت مرة واحدة في القرآن الكريم في وصف الذين لا يؤمنون
بالآخرة، وقد قال ابن عباس وقتادة في تفسير] ينغضون رؤوسهم [أي يحركونها
استهزاءً. [ابن كثير تفسير الآية 51من سورة الإسراء]، لكن حرص الشيخ على
الأسلوب الأدبي الرفيع، واحتفاله به يجعله يضحي بالمعاني في سبيل الألفاظ!
كذلك قوله عن علم الجرح والتعديل ويسميه هو: فن الجرح والتعديل بأنه
(يقف ذيلاً وخادماً) فلِمَ هذا التكلف؟ ولم كل هذا الجبروت في منهجك حتى
تجعل من علم الجرح والتعديل ذيلاً وخادماً له؟! يا أخي، لقد ملكت؛
فأسجحْ!
وانظر إليه كيف يستحسن - بتشفٍّ وحنق وشماتة ظاهرة - أن يصفع شرطي
فرنسي مسلماً (سلفياً) ويشتمه:
(لقد اشتدت هذه الخصومات ذاتها واهتاجت في أحد مساجد باريس منذ ثلاثة
أعوام، حتى اضطرت الشرطة الفرنسية (مشكورة!) إلى اقتحام المسجد،
والمضحك المبكي [1] بآن واحد، أن أحد أطراف تلك الخصومة أخذته الغيرة
الحمقاء لدين الله ولحرمة المساجد، (صحيح أحمق! لماذا يغار على دين الله وعلى
حرمة المساجد؟ أعلى مثل هذه الأمور يغار؟!) لما رأى أحد الشرطة داخلاً
المسجد بحذائه، فصاح فيه (كذا) أن يخرج أو يخلع حذاءه (كذا) ولكن الشرطي
صفعه قائلا: وهل ألجأنا إلى اقتحام المسجد على هذه الحال غيركم أيها
السخفاء؟! .. ) [ص 245]
لمثل هذا فليكتب الكاتبون!
يل؛
نقول:
¥