ـ[حارث همام]ــــــــ[02 - 12 - 04, 10:17 م]ـ
قرأت ما عُلِّق فدارت في الرأس خواطر لم تختمر، ولكنها فروع أسست على أصول، وأصول شرعت على محصول، فأحببت أن أعلقها مختزلة، بعد الرجوع إلى النقول المعتبرة، لعل فائدة تثبت، أو وهم يرفع:
مسألة العطف على الضمير قال جمهور البصريين بعدم جوازها ما لم يعد المعطوف بحرف الجر خلافاً لجمهور أهل الكوفة. ورجح أبوحيان (وهو صاحب! شيخ الإسلام المعروف) قول الكوفيين بالجواز لوروده، غير أن المبرد -وحسبك به- أفاد بأن من أجازه من غيرهم فعلى القبح حال الاضطرار كما في قول الشاعر:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا * فاذهب فما بك والأيامِ من عجب
ولهذا قال في قراءة حمزة: وهذا لايجوز عندنا إلاّ أن يضطر إليه شاعر ومثل بما سبق.
بل نقلوا عنه في كتاب التذكرة المهدية "أن أبا العباس المبرد قال: لو صليت خلف إمام يقرأ (ما أنتم بمصرخي) و (اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) [يعني بالعطف على الضمير]، لأخذت نعلي ومضيت. قال: الزجاج قراءة حمزة مع ضعفها وقبحها في العربية خطأ عظيم في أصول أمر الدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تحلفوا بآبائكم فإذا لم يجز الحلف بغير الله فكيف يجوز بالرحم".
وهكذا كرهها سيبويه وغيرهم من فطاحلة اللغة.
ولهذا قال الزمخشري في الكشاف في جرها (الأرحام) عطفاً على الضمير بغير تكرار العامل: "وليس بسديد؛ لأن الضمير المتصل متصل كاسمه، والجار والمجرور كشيء واحد، فكانا في قولك: مررت به وزيد و هذا غلامه وزيد شديدي الاتصال، فلما اشتد الاتصال لتكرره أشبه العطف على بعض الكلمة، فلم يجز ووجب تكرير العامل، كقولك: مررت به وبزيد و هذا غلامه وغلام زيد ألا ترى إلى صحة قولك: رأيتك وزيداً و مررت بزيد وعمرو لما لم يقو الاتصال، لأنه لم يتكرر، وقد تمحل لصحة هذه القراءة بأنها على تقدير تكرير الجار ونظيرها.
فاذهب فما بك والأيام من عجب".
وقال القرطبي: "فأما البصريون فقال رؤساؤهم هو لحن لا تحل القراءة به، وأما الكوفيون فقالوا هو قبيح ولم يزيدوا على هذا، ولم يذكروا علة قبحه، قال النحاس: فيما علمت وقال سيبويه لم يعطف على المضمر المخفوض لأنه بمنزلة التنوين والتنوين لا يعطف عليه".
بيد أن القشيري شنع على أهل اللغة في ذلك واختار العطف وقال كما نقل القرطبي: "ومثل هذا الكلام [كلام أهل اللغة الآنف طرف منه] مردود عند أئمة الدين لأن القرءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم .. وإذا ثبت شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن رد ذلك فقد رد على النبي صلى الله عليه وسلم واستقبح ما قرأ به وهذا مقام محذور ولا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو فإن العربية تتلقى من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يشك أحد في فصاحته وأما ما ذكر من الحديث ففيه نظر لأنه عليه السلام قال لأبي العشراء وأبيك لو طعنت في خاصرته ثم النهي إنما جاء في الحلف بغير الله وهذا توسل إلى الغير بحق الرحم فلا نهى فيه".
فهو يسوغ بذلك جواز الحلف بغير الله ويرد به على من استقبحه معنى.
ثم يذكر تخريجاً آخر:
"وقد قيل هذا إقسام بالرحم أي اتقوا الله وحق الرحم كما تقول افعل كذا وحق أبيك" ثم حكم عليه بأنه تكلف.
قال القرطبي متعقباً له: "لا تكلف فيه فإنه لا يبعد أن يكون والأرحام من هذا القبيل فيكون أقسم بها كما أقسم بمخلوقاته الدالة على وحدانيته وقدرته تأكيدا لها حتى قرنها بنفسه والله أعلم، ولله أن يقسم بما شاء ويمنع ما شاء ويبيح ماشاء".
فهو عند القرطبي وجه ثان لتخريج قراءة الخفض، وحاصله أن (والأرحامِ) إقسام من الله بها فكأن المعنى: فاتقوا الله الذي تساءلون به، وحق الأرحام. والله يقسم بما شاء من خلقه ويسأل بما شاء.
ثم ذكر تخريجاً ثالثاً يعود إلى الأول وأشار إليه بما ختم به التخريج الثاني في قوله: "ويمنع ماشاء ويبيح ما شاء" وهذا حاصله ما اختاره القشيري في التخريج الأول وأبو حيان من بعده غير أن القرطبي كأبي حيان (وهو من اللغويين) يرى أنه ليس بمستقبح لغة لوروده في أشعار العرب وهو كثير، ولا معنى لأن الله يمنع ما شاء ويبيح ما شاء وهذا مما أباحه هنا.
¥