تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولعل الصواب أن يقال: اللغة وأهلها العالمون بها حاكمون علينا في ذلك وقولهم يقضي ببطلان التخريجات المذكورة وذكره في شعر العرب من باب الضرورة فإن قالوا -ولعلها حجة أبي حيان- بل جاء لغير الضرورة في كلامهم الذي حكاه سيبويه: "مافيها غيره وفرسه" أي غيره وغير فرسه فعطف ظاهر على مضمر لغير ضرورة. ولعل هذا غير مسلم به لأمور: منها أن نقله لايعني عدم استقباحه عندهم، ومن نقله (سيبويه) هو من نقل استقباحهم له، واستقباح شيء من كلام العرب الأقحاح وارد كما استقبحت أشاء في معلقة عبيد بن الأبرص فإن فيها من عيوب القافية أشياء لاتنكر مع أنها معلقة، وكذلك أثرت في أبيات لبعض فحول الجاهلية أشياء. ثم وجه آخر وهو أن يقال غير الأولى في هذا الكلام غير غير الثانية! فأما الأولى كل إنسان سواه، وأما الثانية فكل حيوان إلاّه، فعاد المعنى إلى تقدير محذوف عامل وليس عطفاً مجرداً عن معنى آخر. وبهذا يظل الصواب قول جمهور البصريين وأئمة اللغة كالزجاج والمبرد وسيبويه وغيرهم.

فأما تخريج القشيري الأول فباطل لغة ومعنى أما معنى فلثبوت النهي عن الحلف بغير الله، وحديث أبي العشراء لايثبت فإن في سماعه عن أبيه نظر كما أن فيه جهالة بالإضافة إلى أن حماد بن سلمة (الراوي عنه) لم يحدث به عنه فبينهم واسطة لم تسم كما أشار ابن عدي، فالحديث مليء العلل.

ولو عارضه بحديث مسلم: "أفلح وأبيه" لكان أقرب على أن الخلاف في تخريج معنى حديث مسلم وهل هو قسم أو لا عريض لايسلم له به ولعله لهذا السبب لم يحتج به، فضعف دلالته على المعنى الذي عارض به النص ظاهر لايسلم له به المخالف، وهو يقصد إقامة الحجة على المخالف فجاء بحديث أظهر في المعنى الذي أراد ظن ثبوته وهو خطأ.

وأما التخريج الثاني: وهوحمله على أنه سؤال من الله بحق الرحم، وهو ضرب من القسم، فليس بسديد، وفيه تكلف كما قال القشيري، لأنك السؤال بالحق يناسب عند من ملك الحق، ولايسوغ معنىً أن أسألك بحق غيرك، فلا أقول للأخ الحبيب محمد رشيد مثلاً هبني كذا أو اعطني كذا لأن للشيخ عبدالرحمن الفقيه حق عليك! وإنما يسوغ ذلك إذا كنتُ أنا مالك الحق فأقول له اعطني كذا بحقي عليك ونحوه. والله عزوجل ليس بينه وبين أحد من الخلق نسب أو رحم فيسأل بها، وليس وراء السؤال بحقوق الرحم بين المخلوقين معنى ذو قيمة، ولهذا هو تكلف غير سائغ.

وعليه إذا بان بطلان التخريجات التي ذكروها فهل نقول إن قراءة حمزة شاذة غير مقبولة ونصنع ما صنع المبرد؟

الجواب لا، ولعل التحقيق أن يقال بل هنا تقدير باء محذوفة، والمعنى فاتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام. أي (بالله وبالرحم).

غير أن الباء الأولى ليست هي الباء الثانية، فالأولى باء القسم والثانية باء السببية.

ولعل هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية فقد قال في رده على البكري: "فعلى قراء الخفض فقط قال طائفة من السلف هو قولهم أسألك بالله وبالرحم وهذا إخبار عن سؤالهم بالرحم أي بسبب الرحم أي الرحم توجب لأصحابها بعضهم على بعض، فيكون سؤالهم بالرحم كسؤال الثلاثة بأعمالهم الصالحة ... وكسؤالنا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته، ومن هذا الباب ما روى أن عبدالله بن جعفر كان إذا سأل عليا سأله بحق جعفر أعطاه وليس هذا من باب الإقسام فإن الإقسام بغير جعفر أعظم بل الباء هنا باء السبب فحقه من باب حق الرحم".

وبهذا التخريج يصح قول أئمة اللغة ومتقدميهم الذين منعوا و استقبحوا عطف الظاهر على المضمر إلاّ للضرورة التي ينزه عنها كلام الباري سبحانه، وفي نفس الوقت يصح تخريج القراءة الثابتة بوجه لغوي مقبول، ولهذا لعل قول شيخ الإسلام هو منتهى التحقيق في المسألة والله أعلم.

وعليه فاستدلال من سوغ الحلف بغير الله بالآية ضعيف مستقبح لغة ومعنى. على أنه لوثبت أنه عطف مجرد لما صح الاحتجاج به على جواز الحلف بغير الله، فإن المعنى حينها والأرحام التي تقسمون (تسائلون) بها على بعضكم، قال شيخ الإسلام: "ومن السؤال ما لا يكون مأموراً به والمسئول مأمور بإجابة السائل، قال تعالى" (وأما السائل فلا تنهر)، وقال تعالى: (والذين فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)، ... الحديث: إن أحدكم ليسألنى المسألة فيخرج بها يتأبطها ناراً، وقوله: اقطعوا عنى لسان هذا"، فيكون السؤال بها هنا سؤلاً غير مشروع وإن شرعت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير