تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا كلام المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ، وهذا الكلام خلاف الصواب فهو كلام مرجوح، وفي هذا الشرح عَلَى عظمته ونفاسته مواضع للمصنف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أخذ فيها بالرأي المرجوح من أقوال العلماء وترك القول الراجح، وهذا الموضع منها؛ لأنه يمكن أن يُقال كيف يوحي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى أحد بشيء، ولا يؤمر بتبليغه فما الفائدة إذاً؟! هذا من ناحية النظر.

ومن ناحية أخرى؛ وردت آيات وأحاديث تدل عَلَى أن النبي يبلغ، ومنها حديث السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب يقول النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه: (ورأيت النبي ومعه الرجل والرجلان ورأيت النبي وليس معه أحد) فهذا سماه نبياً مع وجود الأتباع، وهذا يعني أنه كَانَ يبلغ.

إذاً خلاصة القول: أن هذا ليس بالرأي الراجح.

الرأي الراجح في المسألة

الرأي الراجح في هذه المسالة:

أن الرسول: هو من أرسله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بشرع جديد إِلَى قوم كافرين ومكذبين، ولهذا لم تأت كلمة التكذيب إلا في تكذيب الرسل، لأنهم يرسلون إِلَى قوم كافرين فيكذبونهم.

فمن هنا نعلم الفرق، وهو أن الرَّسُول والنبي يُبلغان لكن الرَّسُول يأتي بشرع جديد إِلَى قوم كافرين به ويكون بينهم وبينه التكذيب والرد، حتى ينصره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم، وأما النبي فإنه مجدد لشريعة الرَّسُول الذي قبله، ويصحح ما علق بها.

ومثلهم في ذلك مثل العلماء المجددين في هذه الأمة فأنبياء بني إسرائيل -مثلاً- هم الذين بعثهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في بني إسرائيل يحكمون بالتوارة قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ [لمائدة:44] فكان النبيون والأحبار والربانيون يحكمون بالتوراة، والتوراة أنزلت عَلَى موسى.

هارون عليه السلام رسول

فموسى وهارون عليهما السلام رسل؛ لكنَّ أنبياء بني إسرائيل يأتي الإِنسَان منهم إِلَى شريعة موسى عَلَيْهِ السَّلام فيجددها، ويدعو النَّاس إليها وإلى إقامتها، فهذا نبي يبلغ.

فمثلاً قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] الآيات.

هذا النبي من أنبياء بني إسرائيل اختلف في اسمه ولا يهمنا الاسم، المهم أن هذا النبي هو من بعد موسى وفي بني إسرائيل، طلب منه قومه ملكاً يقاتلون معه، فطلب ذلك من ربه فأوحى الله تَعَالَى إليه إني قد اخترت لهم طالوت ملكاً عليهم فإذاً هناك وحي وبلاغ لكن لا يسمى، هذا رسولاً.

والأنبياء من أقرب ما يشبههم بهذه الأمة، العلماء المجددون لكن شريعة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزلت كاملة خاتمة، فالعلماء يجددون ما كَانَ من أمر الدين، ولا يشرعون شيئاً من عندهم، أما الأَنْبِيَاء فقد يأتون بأشياء من أمور التفصيل في بعض الحلال والحرام، أو يقودون النَّاس ببلاغ ووحي من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

فعلى هذا فالرَّسُول هو من جَاءَ بشرع جديد إِلَى قوم كافرين، والنبي هو من بعث بشريعة رَسُول قبله ليجددها، ويحيي معالمها، فهذا مأمور بالبلاغ الجديد المستأنف لقوم كفار، وهذا مأمور بالبلاغ للمؤمنين الذين ينتمون إِلَى شريعة سابقة، ولكنهم غيروا وبدلوا وضلوا وانحرفوا.

شرعية التفريق بين الأنبياء والرسل

والتفريق بين الأَنْبِيَاء وبين الرسل صحيح، ويدل عليه حديث أبي ذر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وهو حديث طويل، يسأل فيه أبو ذر رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أمور كثيرة.

ومن آخرها: سأله عن آدم، هل كَانَ نبياً؟

فقال له الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم نبي مكلَّم.

فقَالَ: يا رَسُول الله كم عدد الأنبياء؟

قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مائة وأربعة وعشرون ألفاً، والرسل ثلاثمائة وبضعة عشر.

وهذا الحديث ورد بعدة طرق، وصححه بعض العلماء.

يقول بعض العلماء: إن عدد الأَنْبِيَاء كعدد أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدد الرسل كعدد أصحاب بدر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير