تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأجبت بما حضرني إذ ذاك: من أن الظاهر أنهن يرينه وذكرت له أنه قد روى أبو بكر عن ابن عباس أنهن يرينه في الأعياد وأن أحاديث الرؤية تشمل المؤمنين جميعا من الرجال والنساء وكذلك كلام العلماء؛ وأن المعنى يقتضي ذلك حسب التتبع؛ وما لم يحضرني الساعة. وكان قد سنح لي فيما روي عن ابن عباس أن سبب ذلك أن " الرؤية " المعتادة العامة في الآخرة تكون بحسب الصلوات العامة المعتادة فلما كان الرجال قد شرع لهم في الدنيا الاجتماع لذكر الله ومناجاته وترائيه بالقلوب والتنعم بلقائه في الصلاة كل جمعة جعل لهم في الآخرة اجتماعا في كل جمعة لمناجاته ومعاينته والتمتع بلقائه. ولما كانت السنة قد مضت بأن النساء يؤمرن بالخروج في العيد حتى العواتق والحيض وكان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج عامة نساء المؤمنين في العيد جعل عيدهن في الآخرة بالرؤية على مقدار عيدهن في الدنيا.

وأيد ذلك عندي ما خرجاه في " الصحيحين " عن {جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا. ثم قرأ: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها}} وهذا الحديث من أصح الأحاديث على وجه الأرض المتلقاة بالقبول المجمع عليها عند العلماء بالحديث وسائر أهل السنة. ورأيت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر المؤمنين بأنهم يرون ربهم وعقبه بقوله: {فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا} ومعلوم أن تعقيب الحكم للوصف؛ أو الوصف للحكم بحرف الفاء يدل على أن الوصف علة للحكم؛ لا سيما ومجرد التعقيب هنا محال؛ فإن الرؤية في الحديث قبل التحضيض على الصلاتين وهي موجودة في الآخرة والتحضيض موجود قبلها في الدنيا. والتعقيب الذي يقوله النحويون لا يعنون به أن اللفظ بالثاني يكون بعد الأول؛ فإن هذا موجود بالفاء وبدونها وبسائر حروف العطف وإنما يعنون به معنى أن التلفظ الثاني يكون عقب الأول فإذا قلت: قام زيد فعمرو أفاد أن قيام عمرو موجود في نفسه عقب قيام زيد؛ لا أن مجرد تكلم المتكلم بالثاني عقب الأول وهذا مما هو مستقر عند الفقهاء في أصول الفقه وهو مفهوم من اللغة العربية إذا قيل: هذا رجل صالح فأكرمه فهم من ذلك أن الصلاح سبب للأمر بإكرامه حتى لو رأينا بعد ذلك رجلا صالحا لقيل كذلك الأمر وهذا أيضا رجل صالح أفلا تكرمه؟ فإن لم يفعل فلا بد أن يخلف الحكم لمعارض وإلا عد تناقضا. وكذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم {ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا شيئا قدمه وينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدمه وينظر أمامه فتستقبله النار فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل فإن لم يستطع فبكلمة طيبة} فهم منه أن تحضيضه على اتقاء النار هنا لأجل كونهم يستقبلونها وقت ملاقاة الرب وإن كان لها سبب آخر. وكذلك لما قال ابن مسعود: " سارعوا إلى الجمعة فإن الله يبرز لأهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كثب الكافور فيكونون في القرب منه على قدر تسارعهم في الدنيا إلى الجمعة " فهم الناس من هذا أن طلب هذا الثواب سبب للأمر بالمسارعة إلى الجنة. وكذلك لو قيل: إن الأمير غدا يحكم بين الناس أو يقسم بينهم فمن أحب فليحضر فهم منه أن الأمر بالحضور لأخذ النصيب من حكمه أو قسمه وهذا ظاهر. ثم إن هذا الوصف المقتضي للحكم " تارة يكون سببا متقدما على الحكم في العقل وفي الوجود كما في قوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} " وتارة " يكون حكمه متقدما على الحكم في العلم والإرادة متأخرة عنه في الوجود كما في قولك: الأمير يحضر غدا فإن حضر كان حضور الأمير يتصور ويقصد قبل الأمر بالحضور معه. وإن كان يوجد بعد الأمر بالحضور وهذه تسمى العلة الغائية وتسميها الفقهاء حكمة الحكم وهي سبب في الإرادة بحكمها وحكمها سبب في الوجود لها. و " التعليل " تارة يقع في اللفظ بنفس الحكمة الموجودة فيكون ظاهره أن العلة متأخرة عن المعلول وفي الحقيقة إنما العلة طلب تلك الحكمة وإرادتها. وطلب العافية وإرادتها متقدم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير