تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى كل قول فالدلالة من صيغ الجمع المذكر متوجهة؛ كما أنها متوجهة بلا تردد من صيغة: " من " و " أهل " و " الناس " ونحو ذلك. واعلم أن هنا " دلالة ثانية " وهي دلالة العموم المعنوي وهي أقوى من دلالة العموم اللفظي وذلك أن قوله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} وقد فسرت " القرة " بالنظر وغيره فيقتضي أن النظر جزاء على عملهم والرجال والنساء مشتركون في العمل الذي استحق به جنس الرجال الجنة؛ فإن العمل الذي يمتاز به الرجال " كالإمارة " و " النبوة " - عند الجمهور - ونحو ذلك لم تنحصر الرؤية فيه؛ بل يدخل في الرؤية من الرجال من لم يعمل عملا يختص الرجال؛ بل اقتصر على ما فرض عليه: من الصلاة والزكاة وغيرهما؛ وهذا مشترك بين الفريقين. وكذلك قوله: {إن الأبرار لفي نعيم} {على الأرائك ينظرون} إن " البر " سبب هذا الثواب و " البر " مشترك بين الصنفين وكذلك كل ما علقت به " الرؤية " من اسم الإيمان ونحوه يقتضي أنه هو السبب في ذلك فيعم الطائفتين. وبهذا " الوجه " احتج الأئمة أن الكفار لا يرون ربهم. فقالوا: لما حجب الكفار بالسخط دل على أن المؤمنين يرون بالرضى ومعلوم أن المؤمنات فارقن الكفار فيما استحقوا به السخط والحجاب وشاركوا المؤمنين

فيما استحقوا به الرضوان والمعاينة فثبتت الرؤية في حقهم باعتبار الطرد واعتبار العكس. وهذا باب واسع إن لم نقطعه لم ينقطع. فإن قيل: دلالة العموم ضعيفة فإنه قد قيل: أكثر العمومات مخصوصة؛ وقيل: ما ثم لفظ عام إلا قوله: {وهو بكل شيء عليم} ومن الناس من أنكر دلالة العموم رأسا. قلنا: أما " دلالة العموم المعنوي العقلي " فما أنكره أحد من الأمة فيما أعلمه؛ بل ولا من العقلاء ولا يمكن إنكارها اللهم إلا أن يكون في " أهل الظاهر الصرف " الذين لا يلحظون المعاني كحال من ينكرها؛ لكن هؤلاء لا ينكرون عموم الألفاظ؛ بل هو عندهم العمدة ولا ينكرون عموم معاني الألفاظ العامة؛ وإلا قد ينكرون كون عموم المعاني المجردة مفهوما من خطاب الغير. فما علمنا أحدا جمع بين إنكار " العمومين " اللفظي والمعنوي ونحن قد قررنا العموم بهما جميعا فيبقى محل وفاق مع العموم المعنوي؛ لا يمكن إنكاره في الجملة؛ ومن أنكره سد على نفسه إثبات حكم الأشياء الكثيرة؛ بل سد على عقله أخص أوصافه وهو القضاء بالكلية العامة ونحن قد قررنا العموم من هذا الوجه؛ بل قد اختلف الناس في مثل هذا العموم: هل يجوز تخصيصه؟ على قولين مشهورين. وأما " العموم اللفظي " فما أنكره أيضا إمام ولا طائفة لها مذهب مستقر في العلم ولا كان في " القرون الثلاثة " من ينكره؛ وإنما حدث إنكاره بعد المائة الثانية وظهر بعد المائة الثالثة وأكبر سبب إنكاره إما من المجوزين للعفو من " أهل السنة ". ومن أهل المرجئة من ضاق عطنه لما ناظره الوعيدية بعموم آيات الوعيد وأحاديثه فاضطره ذلك إلى أن جحد العموم في اللغة والشرع فكانوا فيما فروا إليه من هذا الجحد كالمستجير من الرمضاء بالنار. ولو اهتدوا للجواب السديد " للوعيدية ": من أن الوعيد في آية وإن كان عاما مطلقا فقد خصص وقيد في آية أخرى - جريا على السنن المستقيمة - أولى بجواز العفو عن المتوعد وإن كان معينا. تقييدا للوعيد المطلق؛ وغير ذلك من الأجوبة وليس هذا موضع تقرير ذلك؛ فإن الناس قد قرروا العموم بما يضيق هذا الموضع عن ذكره. وإن كان قد يقال: بل العلم بحصول العموم من صيغه ضروري من اللغة والشرع والعرف والمنكرون له فرقة قليلة يجوز عليهم جحد الضروريات أو سلب معرفتها؛ كما جاز على من جحد العلم بموجب الأخبار المتواترة وغير ذلك من المعالم الضرورية. وأما من سلم أن العموم ثابت وأنه حجة. وقال: هو ضعيف أو أكثر العمومات مخصوصة وأنه ما من عموم محفوظ إلا كلمة أو كلمات. فيقال له: " أولا " هذا سؤال لا توجيه له؛ فإن هذا القدر الذي ذكرته لا يخلو: إما أن يكون مانعا من الاستدلال بالعموم أو لا يكون، فإن كان مانعا فهو مذهب منكري العموم من الواقفة والمخصصة وهو مذهب سخيف لم ينتسب إليه. وإن لم يكن مانعا من الاستدلال فهذا كلام ضائع غايته أن يقال: دلالة العموم أضعف من غيره من الظواهر وهذا لا يقر؛ فإنه ما لم يقم الدليل المخصص وجب العمل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير