ومن أحكامه التاريخية التي نرى أنه جانب فيها العلم أو العدل تصوير معاوية رضي الله عنه على أنه ظالم مستبد، جعل عليه إثم كل من جار واستبد. والتاريخ يقول غير ما ذكر الكاتب.
وعن الزهري قال: عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئاً. السنة للخلال (1/ 444) وقال المحقق إسناده صحيح.
وقال ابن كثير في ترجمة معاوية رضي الله عنه: "وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين .. فلم يزل مستقلاً بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم وكلمة الله عالية، والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل وصفح وعفو ".
البداية والنهاية (8/ 119).
إذا فسنة معاوية هي العدل والجهاد هذا ما سنه أيام حكمه، فالمستن به من كانت هذه سيرته ومن لم يستن به في هذا فلم يستن به.
نظرت أجلاء الصحابة لمعاوية.
ابن عمر
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود - من السيادة – من معاوية، فقيل: ولا أبوك؟ قال: أبي عمر رحمه الله خير من معاوية، وكان معاوية أسود منه. الخلال في السنة (1/ 443) والذهبي في السير (3/ 152) وابن كثير في البداية (8/ 137).
ابن عباس.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من معاوية، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب، و لم يكن بالضيق الحصر العصعص المتغضب. رواه عبد الرزاق في المصنف (برقم 20985) بسند صحيح. وابن كثير في البداية (8/ 137).
وفي صحيح البخاري برقم (3765) أنه قيل لابن عباس: هل لك في أمير معاوية فأنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: إنه فقيه.
ابن الزبير.
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه قال: لله در ابن هند – يعني معاوية رضي الله عنه – إناكنا لَنَفْرَقه – من الفَرَق: وهو الخوف والفزع – وما الليث على براثنه بأجرأ منه، فيتفارق لنا، وإن كنا لنخادعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه، فيتخادع لنا، والله لوددت أنامُتعنا به مادام في هذا الجبل حَجَر، وأشار إلىأبي قبيس. أورده ابن كثير في البداية (8/ 138).
وأما ما هول به من عهده بالخلافة ليزيد وجعل ذلك ذنبا لا يمكن أن يتأول لمعاوية، وردة ارتد بها بعاوية عن بعض الدين، سببها بقايا الجاهلية العربية الأولى التي لم يتخلص منها معاوية، وأضاف إليها ما تعلمه من جاهلية الروم في توريثهم الحكم لأولادهم.
وقال عنه في ص 80
تحت عنوان الإقرار بثقل الإرث الجاهلي.
ولقد كان للأعراف الاجتماعية والتاريخية تأثيرا بالغا في إشعال الفتن السياسية بين الصحابة رضي الله عنهم وليس مما يستغرب أن يكون معاوية هو أول من حول الخلافة إلى ملك، فقد أمضى شطر عمره في بيت السيادة في قريش، وشطره الثاني على حدود دولة الروم.
قال في رده على ابن تيمية قوله إن معاوية وعمر لم يقاتلا من أجل الملك في ص 181
" لقد كان حري بابن تيمية هنا أن يعترف ـ كما فعل دائما ـ بالطبيعة المركبة للفتنة، وباختلاط الشبهات والشهوات فيها، ويقبل أن دوافع معاوية وعمرو لم تكن مجرد شبهة الاقتصاص للخليفة الشهيد، بل خالطتها شهوة الملك وحب الدنيا.
وقال ردا على ابن تيمية قوله المتقدم ص 178
" إن كل هذه النصوص تدل على أن معاوية سعى إلى الملك بالفعل وبالقول، وصرح بمطامعه في قيادة الأمة دون للبس. فالقول بعد ذلك أنه لم ينازع عليا الخلافة ولا سعى إليها .. تكلف بارد كان لأولى بشيخ الإسلام ابن تيمية أن يتنزه عنه.
على أن دور معاوية أكبر من مجرد الخروج على الجماعة ومنازعة الأمر أهله. فهو الذي أرسى نظام الملك بديلا عن دولة الخلافة، فسن في الإسلامي تلك السنة السيئة، وفتح بها أبوابا من المظلم التي لم تتوقف، ومن الدماء آلتي لم تجف منذ أربعة عشر قرنا، وأخرج بناء السلطة من إطار مبادئ الشرع: كالشورى والبيعة والعدل .. إلى منطق القوة وقانون الغاب، وهو أمر لا يزال المسلون يعيشون مساوئه إلى اليوم.
¥