من لدن معاوية فكانت العصبية قد أشرفت على غايتها من الملك والوازع الديني قد ضعف واحتيج إلى الوازع السلطاني والعصباني فلو عهد إلى غير من ترتضيه العصبية لردت ذلك العهد وانتقض أمره سريعا وصارت الجماعة إلى الفرقة والاختلاف سأل رجل عليا رضي الله عنه ما بال المسلمين اختلفوا عليك ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر فقال لأن أبا بكر وعمر كانا واليين على مثلي وأنا اليوم وال على مثلك يشير إلى وازع الدين أفلا ترى إلى المأمون لما عهد إلى علي بن موسى بن جعفر الصادق وسماه الرضا كيف أنكرت العباسية ذلك ونقضوا بيعته وبايعوا لعمه إبراهيم بن المهدي وظهر من الهرج والخلاف وانقطاع السبل وتعدد الثوار والخوارج ما كاد أن يصطلم الأمر حتى بادر المأمون من خراسان إلى بغداد ورد أمرهم لمعاهده فلا بد من اعتبار ذلك في العهد فالعصور تختلف باختلاف ما يحدث فيها من الأمور والقبائل والعصبيات وتختلف باختلاف المصالح ولكل واحد منها حكم يخصه لطفا من الله بعباده وأما أن يكون القصد بالعهد حفظ التراث على الأبناء فليس من المقاصد الدينية.
مقدمة ابن خلدون ج: 1 ص: 210 ـ 211
ونقلت كلام ابن خلدون مع طوله لأهميته و تبيينه للقضية من جميع جوانبها.
ونستفيد من كلام ابن خلدون السابق منهجا مهما في دراسة حيات الصحابة، هو أن الدارس لحياتهم لا بد أن يعلم أن منها ما هو محكم ومنها ما هو متشابه، والمحكم منها ما دل عليه النص من عدالتهم وفضلهم وقصدهم الله بأفعالهم، والمتشابه منها الفعل المحتمل أن يكن فعلهم له قصد به الله والدار الآخرة، ويحتمل أن يكن من أخطاء البشر التي جبلوا عليها، فالعمل هنا هو البناء على المحكم، ورد المتشابه إليه وهذا ما فعله العلامة ابن خلدون عند ما تكلم عن ولاية العهد التي عهد بها معاوية لولده، فوفق وأصاب الحق، وأما الكاتب فترك المحكم وبنا على المتشابه فأخطأ في الحكم والتحليل.
وقد أشاد كثير من المؤرخين بفعل معاوية هذا وجعلوه من فضائله وحسن نظره للمسلمين منهم محمد علي كرد في كتابه: الإسلام والحضارة العربية (2/ 395)، و إبراهيم شعوط في: أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ (ص 334)، و يوسف العش في: الدولة الأموية (ص 164)، و مقال للدكتور: عمارة نجيب في مجلة الجندي المسلم (ص 58).
وأما زعمه خروج معاوية عن مبادئ الشرع كالشورى والبيعة والعدل فهو أمر لايثبت أما الحقيقة التي تظهر للباحث المجد المنقب عن الحقائق بإخلاص وبدون حكم مسبق على الوقائع، فالترايخ يثبت أن معاوية استشار أهل الأمصار في تولية يزيد؛ فواقوا إلا نفرا قليلا من أهل الحجاز بين ابن خلدون سبب رفضهم للمبايعة.
يراجع تاريخ خليفة بن خياط ص 211 وتاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة 14 60 ص 22 والعقد الفريد 4/ 369
وأما العدل فقد مر معك كلام ابن كثير عن عدل معاوية، وكان يغرسه في يزيد ويسأله رضي الله عنه إذا ولي ما ذا سيفعل فكان يقول له: " (كنت والله يا أبت عاملاً فيهم عمل عمر بن الخطاب ". ابن عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 375) بسند حسن.
فأنت ترى أن العدل والتأكيد عليه كان ديدن معاوية، ويزيد يأكد له حرصه عليه.
هل كان يزد أهلا لما ولاه معاوية، إن معاوية لم يول يزد حتى عرفه وتأكد من إمكانياته في قيادة الأمة، فقد أمره على أول جيش غزا به المسلمون عاصمة النصارى القسطنطينية، وهو الجيش الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مغفور له، وقد أظهر يزيد في قيادته لذلك الجيش مقدرة وكفاءة عالية على القيادة، كان معه في ذلك الجيش عدد من أفاضل الصحابة من أمثال عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس و أبو أيوب الأنصاري.
ومن أحكامة الي جانب فيها العدل أو العلم تقييمه لشخصية يزبد فتاريخ الصحيح يذكر عنه غير ما ذكر الكاتب.
¥