تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقاتلوا، فانه يجوز ان نرميهم ونقصد الكفار. ولو لم نخف على المسلمين جاز رمى اولئك المسلمين ـ ايضًا ـ فى احد قولى العلماء. ومن قتل لاجل الجهاد الذى/ امر الله به ورسوله ـ هو فى الباطن مظلوم ـ كان شهيدًا، وبعث على نيته، ولم يكن قتله اعظم فسادًا من قتل من يقتل من المؤمنين المجاهدين.

واذا كان الجهاد واجبًا وان قتل من المسلمين ما شاء الله. فقتل من يقتل فى صفهم من المسلمين لحاجة الجهاد ليس اعظم من هذا، بل قد امر النبى صلى الله عليه وسلم المكره فى قتال الفتنة بكسر سيفه. وليس له ان يقاتل، وان قتل، كما فى صحيح مسلم، عن ابى بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انها ستكون فتن، الا ثم تكون فتن، الا ثم تكون فتن، القاعد فيها خير من الماشى، والماشى فيها خير من الساعى، الا فاذا نزلت ـ او وقعت ـ فمن كان له ابل فليلحق بابله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له ارض فليلحق بارضه). قال: فقال رجل: يا رسول الله، ارايت من لم يكن له ابل، ولا غنم، ولا ارض؟ قال: (يعمد الى سيفه فيدق على حده بحجر، ثم لينج ان استطاع النجاة. اللهم هل بلغت. اللهم هل بلغت. اللهم هل بلغت). فقال رجل: يا رسول الله، ارايت ان اكرهت حتى ينطلق بى الى احدى الصفين ـ او احدى الفئتين ـ فيضربنى رجل بسيفه، او بسهمه، فيقتلنى. قال: (يبوء باثمه واثمك، ويكون من اصحاب النار). /ففى هذا الحديث انه نهى عن القتال فى الفتنة، بل امر بما يتعذر معه القتال من الاعتزال، او افساد السلاح الذى يقاتل به، وقد دخل فى ذلك المكره وغيره. ثم بين ان المكره اذا قتل ظلمًا كان القاتل قد باء باثمه واثم المقتول، كما قال ـ تعالى ـ فى قصة ابنى ادم عن المظلوم: {اِنِّي اُرِيدُ اَن تَبُوءَ بِاِثْمِي وَاِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ اَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ} [المائدة: 29]، ومعلوم ان الانسان اذا صال صائل على نفسه جاز له الدفع بالسنة والاجماع، وانما تنازعوا: هل يجب علىه الدفع بالقتال؟ على قولين، هما روايتان عن احمد: احداهما: يجب الدفع عن نفسه ولو لم يحضر الصف. والثانية: يجوز له الدفع عن نفسه. واما الابتداء بالقتال فى الفتنة فلا يجوز بلا ريب.

والمقصود انه اذا كان المكره على القتال فى الفتنة ليس له ان يقاتل، بل عليه افساد سلاحه، وان يصبر حتى يقتل مظلومًا، فكيف بالمكره على قتال المسلمين مع الطائفة الخارجة عن شرائع الاسلام، كمانعى الزكاة والمرتدين ونحوهم؟! فلا ريب ان هذا يجب علىه اذا اكره على الحضور الا يقاتل، وان قتله المسلمون، كما لو اكرهه الكفار على حضور صفهم ليقاتل المسلمين، وكما لو اكره رجل رجلا على قتل مسلم معصوم، فانه لا يجوز له قتله باتفاق المسلمين، وان اكرهه بالقتل، فانه ليس حفظ نفسه بقتل ذلك المعصوم اولى من العكس، /فليس له ان يظلم غيره فيقتله لئلا يقتل هو، بل اذا فعل ذلك كان القود على المكِره والمكرَه جميعًا عند اكثر العلماء، كاحمد، ومالك، والشافعى فى احد قوليه، وفى الاخر يجب القود على المكره فقط، كقول ابى حنيفة ومحمد. وقيل: القود على المكره المباشر، كما روى ذلك عن زفر. وابو يوسف يوجب الضمان بالدية بدل القود، ولم يوجبه. وقد روى مسلم فى صحيحه عن النبى صلى الله عليه وسلم قصة اصحاب الاخدود، وفيها: ان الغلام امر بقتل نفسه لاجل مصلحة ظهور الدين؛ ولهذا جوز الائمة الاربعة ان ينغمس المسلم فى صف الكفار، وان غلب على ظنه انهم يقتلونه، اذا كان فى ذلك مصلحة للمسلمين. وقد بسطنا القول فى هذه المسالة فى موضع اخر.

فاذا كان الرجل يفعل ما يعتقد انه يقتل به لاجل مصلحة الجهاد، مع ان قتله نفسه اعظم من قتله لغيره، كان ما يفضى الى قتل غيره لاجل مصلحة الدين التى لا تحصل الا بذلك، ودفع ضرر العدو المفسد للدين والدنيا الذى لا يندفع الا بذلك اولى. واذا كانت السنة والاجماع متفقين على ان الصائل المسلم اذا لم يندفع صوله الا بالقتل قتل، وان كان المال الذى ياخذه قيراطًا من دينار. كما قال النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، من قتل دون حرمه فهو شهيد)، فكيف /بقتال هؤلاء الخارجين عن شرائع الاسلام، المحاربين لله ورسوله، الذين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير