تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا، وليس من الأمور الخفية ما قد جرتْ من مشاحناتٍ مريرةٍ وصراعٍ متواصلٍ بين مشايخ الطرق الصوفيةِ في المنطقة الشرقية من تركيا بسبب اتّهام بعضهم البعض الآخر بأنّه مطرودٌ من قِبَلِ شيخه وأنّه لا يجوز الإنابة إليه. وكمثال على ذلك: فإنّ أسرة الشيخ محمد الكُفرويّ ألْصَقَتْ هذه التُّهمةَ بالشيخ صبغة الله الحيزانيّ، فأفضى ذلك إلى عداءٍ شديدٍ بين هاتين الأسرتين حتّى كانت جماعاتٌ من مريدي الشيخ محمد الكُفرويّ تقصد من مدينة آغري A?R? وتصل إلى ضواحي مدينة بدليس B?TL?S بشقّ الأنفس، حيث بها ضريح الشيخ صبغة الله وخليفته الشيخ عبد الرحمن التاغي المعروف بين معارضيه بالشيخ الطاغي، كانوا يقومون بمثل هذا السفر الذي يكلّفهم، لِمُجَرَّدِ أن يبصقوا على قبورهم وأن يصبّوا على أرواحِ المدفونين في هذهِ المقبرةِ جامَ غضبهم بأنواع السّبِّ والشّتمِ واللّعنِ! وما زالت هذه العداوةُ قائمةً بين الأسرتين منذُ مائةٍ وخمسينَ عامًا. كلُّ ذلك أسفر عن ادّعاء الكُفروِيّينَ: أنّ الشيخَ صبغةَ اللهِ الحيزانيَّ اغتصب منصبَ الخلافةِ في الطريقة النقشبندية، وادّعى وراثةَ عبد الله الهكّاريّ من غير استحقاق، بينما كان هو في الحقيقة خليفةَ خليفتِهِ (الشيخ طه) الذي طرده من الطريقة، وأعلن أنّه دعيٌّ منتحلٌ كذَّابٌ. ومعنى ذلك: أنّ الشيخ صبغةَ اللهِ الحيزانيَّ نازع الشيخ الكفرويَّ على منصبه في الطريقة وعلى رتبته في السلسلة النقشبندية بهذا الإدّعاء. تلك السلسلة التي يزعمون أنها متّصلة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم (!)

ويعود الخلاف بين هذين الخصمين إلى أنّ كلاهما كانا خليفتي الشيخ طه الهكّاري، والقصّة طويلة لا محلّ لها من الإعراب.

هكذا فإنّ مفهوم الطّردِ عند ابن عابدين العلاّمة الفقيه (!) لا يختلف عن مفهومه عند الباطنيةِ. ونستنتج من هذا: أنّ مَن كان قد طرده الشيخُ خالدٌ، فإنّه كان مطرودًا عند الله في اعتقاد ابن عابدين ...

إنّ مسألةَ الطردِ عند المقشبنديّينَ، تتّضح بكلِّ ما فيها من دجلٍ وتضليلٍ عَبْرَ كلماتِ خالِدِ البغداديِّ بالذّات، في رسالةٍ بَعَثَهَا إلى مريديه في إسطنبول، يحذِّرُهُمْ فيها مخالطةَ رَجُلٍ طَرَدَهُ من طريقتِهِ، وَيُهَدِّدُهُم أنّه سوفَ يقطعُ هِمَّتَهُ منهم، أي أنّه لن يَمُدَّهم بكراماتِهِ في الدنيا ولا بشفاعَتِهِ عند اللهِ يومَ القيامةِ إنْ خالَطوهُ واتَّبَعوُهُ، كما يخبِرُهُم بأنّ ذلك الرجلَ مطرودٌ. وأمّا مفهوم الهمّةِ عند النقشبنديّين فإنّه مُعْتَقَدٌ هامٌّ جداًّ في طريقتهم، وقد ذكروا منها ما لا يُحصى من حكايات عريبةٍ من طيِّ الأرضِ لهم، ومشيِهم على البحر، وطيرانِهم على أجنهة السُحُبِ وأمثالِ ذلك على سبيل الاستشهاد بكراماتهم ... ومعنى الهمّةِ عندهم: أنّ الشيخ يمدُّ مريدَهُ متى أصابته نازلةٌ فناداه، يقطع مسافاتٍ شاسعةً فيحضر عند مريدِهِ ويُنقِذُهُ مماّ حلّ به من البلاءِ.

وهذا مقطعٌ من نصِّ كلامِ خالد البغداديِّ في صدد همّتِهِ، ورد ذلك في رسالةِ ابن عابدين.

يقول البغداديُّ:

» فألآنَ أُخْبِرُكُمْ بِأَنّي وَجَميِعَ رِجَالِ السِّلسِلَةِ تَبَرَّأْنَا مِنْ عَبْدِ الْوَهَّاب، فَهُوَ مَطروُدٌ عَنِ الطَّريِقَةِ، فَكُلُّ مَنْ تَصَادَقَ مَعَهُ لأَجْلِ الطَّريِقَةِ فَلْيَتْرُكْ مُصَادَقَتَهُ وَمُكَاتَبَتَهُ، وَإلاَّ فَهُوَ بَريءٌ مِنْ إِمْدَادِ هَذَا الْفَقيِرِ، وإمْدَادِ السَّادَاتِ الكِرَامِ، ولاَ أرّضىَ أنْ يُكَاتِبَنيِ وَلاَ أنْ يَسْتَمِدَّ هِمَّتيِ بَعْدَ وُصوُلِ هَذَا الْمَكتوُبِ إِلَيْهِ ... «

نعم، فإنّ ابن عابدين العلاّمة الفقيه (!) أيضًا كان يعتقد بهذه الخذعبلات. ولعل هذا هو من الأسباب التي دفع ابنَ عابدين إلى هذا الميدان حتّى اصبح جنديًّا يدافع عن قلعة الصوفية.

يستطرد ابن عابدين قائلاً:

» فَعَلِمْنَا أنّ ما ذَكَرَ (أي هذا الرّجلُ المطرودُ) كذبٌ وافتراءٌ. ويستبعد ابن عابدين بهذا الرّأي الجازم أن يكون الشيخ خالد قد قال شيئًا ممّا نُسِبَ إليه (أنّه يقوم بتسخير الجنِّ، ويستعين بالأرواح الأرضية الخبيثة، ويدّعي علمَ الغيبِ عن إخْبار الجانِّ له، ويدّعي أنّه قتل وربط كثيرًا من العفاريت والجانِّ ... ). إذ أنّه لو لم يكن يخشى الله لخشي العباد أن ينحطّ قدره على الأقل «. (ص/6)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير