تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4 ـ إذا صدر عن المبدأ الأول واحد، و عن المعلول الأول ثلاثة أشياء، وليس لهم على هذا الخبط أي برهان، بل مجرد الخيال و الوهم و السفه، فهم لم يحددوا العقل الفعال بدقة أهو العاشر أم التاسع أم الثامن؟

ولماذا حصروا عقول الأفلاك في عدد معين، و ما الدليل على هذا الحصر؟ فلماذا لا تكون مئة أو خمسة فقط؟

ولما اختلف قدماء علماء الهيئة في عدد الأفلاك اختلف الفلاسفة في عدد العقول.

5 ـ في نفس الوقت الذي يقولون فيه: إن المبدأ الأول لا يصدر عنه سوى موجود واحد وهو العقل الأول، يجعلون من هذا العقل مصدرا لثلاث صدورات فيتناقضون؟.

6 ـإن نظرية الصدور أو الفيض تحد القدرة الإلهية بشروط وهمية هي نتاج تصور خاطيء للفلك، فتفترض أن عملية الخلق تتخذ اتجاها واحدا فقط هو الاتجاه الطولي التنازلي، ولا تتكثر إلا طولا، بينما المشاهد في الخارج والواقع أشخاص لا يتناهى عددها تنتشر أفقيا، فالله سبحانه خلق الإنسان من التراب و منه خلق أولاده، وهم كثير و كذلك سائر المخلوقات.

7 ـ إذا قال أصحاب هذه النظرية: إن الصدور فعل قديم لا أول له، فإننا نرى الآن أفعال الله سبحانه و تعالى داخل هذا الزمان، و تتصل بالجزئيات الحادثة في هذا العالم، كما نراه في أنواع المخلوقات، فلا زلنا نرى الناس يولدون، و المطر ينزل مرة بعد مرة، و كذلك الريح وغيرها.

و الخلق مستمر، فكيف يكون أزليا قديما خارج الزمن؟

هذا بعض ما يبين خرافة هذه الخرافة، لنا عودة إلى هذا الموضوع عند ترجمة الغزالي إن شاء الله حيث نكرّ هناك عليها كرّ الإيمان على الكفر، ولكن في جانبها الإشراقي.

يقول السهروردي المقتول:" إن الله نور الأنوار فاضت منه الأنوار الأخرى و هي النفوس و العقول و الجواهر".

نظرية الفيض الإشراقي:

أما نظرية الفيض كمعرفة، فقد حاز فيها اليونانيون قصب السبق؛ و الفلسفة الإشراقية طورت هذا المفهوم و خاصة عند فلاسفة كزينون و ديوجين الذي كان يحمل برميلا على ظهره أينما أدركه الليل طرحه و نام فيه، و معه كأس يشرب منها، و ذات مرة رأى صبيا يشرب الماء باستعمال صفيحة يديه فرمى الكأس و قال: هذا الصبي أزهد مني.

و بمثل هذه القصص عن متصوفة المسلمين شحن الغزالي كتابه (الإحياء)، و صرح في كتابه (المنقذ من الضلال) بأن العلم لا يحصل إلا من طريق الفيض والإشراق.

نقل أبو بكر بن العربي عن الغزالي أنه سأله عن بعض ما جاء في كتابه الإحياء من الرموز، فقال له:" إن القلب إذا تطهر عن علاقة البدن المحسوس و تجرد للمعقول انكشفت له الحقائق " (العواصم) (ص:31).

إن كلام المتصوفة هو بعينه كلام الفلاسفة.

قال ابن خلدون في (المقدمة):" و جاء المتأخرون من غلاة المتصوفة المتكلمين بالمواجد أيضا فخلطوا مسائل الفنّين (الفلسفة و الكلام) بفنّهم، و جعلوا الكلام واحدا فيها كلها، مثل كلامهم في النبؤات و الاتحاد و الحلول الوحدة، و غير ذلك، و المدارك في هذه الفنون الثلاثة متغايرة، مختلفة، و أبعدها من جنس الفنون و العلوم مدارك المتصوفة. لأنهم يدّعون فيها الوجدان و يفرون من الدليل، و الوجدان بعيد عن المدارك العلمية و أبحاثها و توابعها " (ص: 496)

فهل بعد هذا الحديث عن الفناء، يقول البوطي عن ابن عربي و أمثاله: إنهم لا ينطلقون في فهم شهود الذات من نظرية الفيض، و كل كلام نسبناه للاتحادية و الحلولية فكتبه مثل (فصوص الحكم) و (الفتوحات المكية) مشحونة به، و قد بلغت من الكثرة، لو قلنا دسّت عليه لما صح نسبة هذه الكتب إليه، أو أن يقول: ألا دور للفناء في وجود أولئك الزنادقة الذين يدافعون عن باطلهم بالعقل و الفلسفة؟

وبهذا يتبين أن الدكتور البوطي بدفاعه عن ابن عربي يدافع عن فلسفة وحدة الوجود اليونانية، و إن كان معذورا في دفاعه عن هذا الرجل، فقد دافع عنه من هو خير من البوطي، ولكن الدكتور يدعي التحقيق و نوعا من المعرفة الفلسفية، فإن دافع بعض من لم يحط بالمقالات الفلسفية عن ابن عربي، وظنوه وقع في نوع من الوله، فإن الدكتور يعرف أن استدراك ابن تيمية على ابن عربي استدراك علمي، و انه يجب التفريق بين من يقع في مثل هذه الأفكار انطلاقا من شعور وجداني، و بين من يخوض فيه كعقيدة فلسفية يرتب له الأدلة العقلية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير