وأُحبّ أنْ أنبّه الأخ حارث أنّه قد ارتكبَ خطأً عند كلامه على الشيخ الجُنيد، فقد سَرَدَ أقوال العلماء الذهبي وابن النجار والسمعاني في ترجمة أبو القاسم الجنيد المحدّث المعروف المتوفّى سنة547، ولكنّه جَعَلَها في ترجمة الجُنيد صاحب السري السقطي المتوفى سنة 298!!
وهذا خلط عجيب لا ينبغي أن يصدر منه وخصوصاً وهو يتحدّث عن الإسناد والتثبّت! وجلَّ من لا يُخطئ. ولكن المشكلة أنّ القرّاء ظنّوا أنّ الشيخ الجنيد هو من المحدّثين والأئمة والأصوليين. والأمر ليس كذلك لأننا إذا رجعنا إلى ترجمة الذهبي للجُنيد سنجده يقول: (الجنيد بن محمد بن الجنيد النهاوندي ثم البغدادي القواريري، والده الخزّاز هو شيخ الصوفيّة، وتفقه على أبي ثور، وسمع من السري السقطي وصحبه ... إلخ انتهى ثمّ ذَكَرَ بعض ما قيل فيه من الثناء وروى بعض أقواله.ولكنّه لم يصفه بالإمام القدوة والمحدّث كما فعل مع الجنيد القايني.
وفي الختام: إنّ الصوفيّة مذ ظهرت في الإسلام لم تكن مرضيّة ولم يسلكها الأئمّة المتّبعون، وإنّما نُسِبَ إليها أشخاص أفاضل أمثال الفُضيل وبشر الحافي ولا شأن لهم بها، كما أنّه إنتَسَبَ إليها رجالٌ عبّاد وزهّاد وأهل صدق وصلاح أمثال الجنيد والسري السقطي وتَنَزّهوا عن كثيرٍ من أفعال الصوفيّة المخالفة للشرع ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ باقي رجال الصوفيّة الذين هم من طبقتهم كانوا على حالٍ مُرْضِيَة، والصحيح إطلاق الذم على الصوفيّة واستثناء أمثال الجنيد. على أنّه لا يمكن أن نتجاهل كون الجنيد أو السري أو المحاسبي قد خاضوا في أمور محدثة ليست من الدين وقد تسبب ذلك في إحداث خَرْقٍ في الدين مازال يتّسع حتى ادّعى الحلاج ـ وهو صاحب الجنيد ـ الحلولَ والاتحاد. وأرجو أن تقرؤا ترجمة الحلاّج عند الذهبي. وللعلم فإنّ كل أصحاب الفرق الباطنيّة كانوا في الأصل من أصحاب السري والجنيد ثمّ زادوا عليهما كثيراً وأسرفوا فوصلوا إلى تأسيس تلك الفرق.
ونحنُ عندما نقف على وصف ما كان عليه الجنيد من العبادة والزهد وسمو الأخلاق لا يسعنا إلاّ أن نشهد له بذلك، وبالمقابل إذا قرأنا بعض أقواله التي ليست من معين الهدي المحمّدي فلا يسعنا إلاّ أن ننكر عليه ذلك.
وبالمناسبة إنّ ماذكره الأخ حارث عن المحاسبي والقشيري و أبي نُعيم لا نسلّم له به.
أمّا المحاسبي فإنّ انتقادات العلماء عليه كثيرة والإمام أحمد انتقده على أمور كثيرة وليس فقط على مسألة علم الكلام. وأمّا القشيري فأمره أشد وانحرافاته كبيرة وقد ردَّ عليه شيخ الإسلام بكتابٍ كبير جداً اسمه "الاستقامة"، وأمّا أبو نُعيم فإنّ الإمام ابن مندة كان معاصراً له ومن بلده وكانا يُكفّران بعضهما! والحديث في هذا يطول ولا أريد أن أفتح هذا الباب. ولكن أحببتُ أن أقول للأخ حارث أنني أظن أني فهمت مرادك وكان يكفيك أن تقول:] ((إنّ بعض الرجال المتقدّمين المنتمين للصوفيّة كانوا ينكرون بعض انحرافاتها ولم يكونوا متلبّسين بكل أخطائها فلا يصح تعميم الحكم عليهم بالمروق والزندقة وخاصّة أن بعض علمائنا الثقات قد أثنوا على جوانب من حياة هؤلاء وحاولوا أن يلتمسوا لهم العذر واستَغْفَروا لهم، وعلينا أن لا نستفيض في الكلام عليهم وإلصاق كل عيوب الصوفيّة بهم، بل علينا أن نتصدّى للصوفيّة الموجودة الآن ونبيّن لهم أخطاءهم ونتناصح معهم، ونحذّر الناس من ضلالاتهم، ويجب علينا أن لا نسمح للمتصوّفة أن يخدعوا الناس بأنّهم أتباع الجنيد أو السري وأنّهم على منهجهم)) [/ COLOR]
أسأل الله تعالى أن يهدينا سبيل الرّشاد. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
ـ[حذافة]ــــــــ[07 - 09 - 05, 08:50 م]ـ
الحمد لله
الإخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحمد الله الذي وفق الإخوة إلى هذا الحوار الطيب، وأسأله تعالى أن يتجاوز عن زلاتنا جميعاً وأن يرشدنا سبل الرشاد.
اطلعت على ما دار بين الأخوين ((حنبل)) و ((حارث همام)) ووقفت عند مسألتين.
الأولى: تكلفُ الأخ ((حارث همام)) كثيراً في رد وتأويل عبارات الأئمة المتقدمين في نقد الصوفية، وهو الشيء الذي لا أعرفه في كتاباته سابقاً.
الثانية: أن الأخ ((حارث همام)) قد شوش القارئَ بإيراده لمسألة التصحيف في احدى طبعات كتاب ترتيب المدارك، وأوهم القارئ أن الإسنادين إسناد واحد، وما كان ينبغي له ذلك.
لأن الذي يروي عنه ابن الجوزي هو: عبد الملك بن زياد النصيبي. وهو من أصحاب مالك.
والذي يروي عنه القاضي عياض هو: عبد الله بن يوسف التنيسي. وهو من أصحاب مالك أيضاً، وكل من الراويين معروف مشهور بصحبته للإمام.
فالأول وهو النصيبي صاحب القصة يروي عن أهل بلده.
والثاني وهو التنيسي حاضر لرواية النصيبي وسؤاله الإمام مالك.
ومن تأمل متن الروايتين علم أنهما روايتين من طريقين مختلفين.
ولا يضر التصحيف في احدى نسخ كتاب ((ترتيب المدارك)) خاصة وقد تعدد نقل هذه القصة من طريق التنيسي في عدة مراجع أن الراوي هو ((التنيسي)) كما أفاد ذلك الأخ ((أبو إدريس الحسني)) جزاه الله خيراً على ما قدم في مشاركته.
وقد طلبت النسخة المسندة من كتاب تلبيس إبليس، فوجدت محقق الكتاب الأخ د. أحمد بن عثمان المزيد، لم يصل بتحقيق الكتاب المطبوع إلى هذا الجزء، فلعل من لديه النسخة المسندة من كتاب تلبيس إبليس يفيدنا بذكر إسناد ابن الجوزي لهذه القصة حتى يُنظر فيه، والله الموفق.
¥