"والتحقيق فيه أنه مشتمل على الممدوح والمذموم، كغيره من الطريق، وإن المذموم منه قد يكون اجتهادياً، وقد لا يكون، وإنهم في ذلك بمنزلة الفقهاء في الرأي، فإنه قد ذم الرأي من العلماء والعباد طوائف كثيرة، و القاعدة التي قدمتها تجمع ذلك كله، وفي المتسمين بذلك من أولياء الله وصفوته وخيار عباده مالا يحصى عده، كما في أهل الرأي من أهل العلم والإيمان من لا يحصى عدده الا الله، والله سبحانه أعلم".
لو قرأتم الردود السالفة فهذا هو قول الشيخ ابن جبرين والعلامة ابن إبراهيم والشيخ عبدالعزيز الراجحي، وغيرهم، بل لعله قول جل المحققين من أهل العلم قديماً وحديثاً، ولعله تأت الإشارة إلى شيء من ذلك في آخر الرد.
وقد بنيتم مخالفتكم له بناء على أن:
* النقول التي ذكرها الأخ حنبل عن المتقدمين صحيحة ثابتة مستفيضة.
* لا داعي للتكلّف في ردّها أو تقييدها بقيود لم يذكرها أصحابُ تلك النصوص.
وقبل الخوض في هذا ما هو تعليقكم حفظكم الله على ما ذكره المعلمي في التنكيل:"ولا يلزم من تثبيتي ثقة رجل من رجال السند ثبوت ثقة غيره، بل الأمر أبعد من ذلك، فإن المقالة المسندة، إذا كان ظاهرها الذم أو ما يقتضيه لا يثبت الذم إلا باجتماع عشرة أمور
الأول: أن يكون الرجل المعين الذي وقع في الإسناد ووقعت فيه المناقشة ثقة.
الثاني: أن يكون بقية رجال الإسناد كلهم ثقات.
الثالث: ظهور اتصال السند تقوم به الحجة.
الرابع: ظهور أنه ليس هناك علة خفية يتبين بها انقطاع أو خطأ أو نحو ذلك مما يوهن الرواية.
الخامس: ظهور أنه لم يقع في المتن تصحيف أو تحريف أو تغيير قد توقع فيه الرواية بالمعنى.
السادس: ظهور أن المراد في الكلام ظاهره.
السابع: ظهور أن الذام بنى ذمه على حجة لا نحو أن يبلغه إنسان أن فلاناً قال كذا أو فعل كذا فيحسبه صادقاً وهو كاذب أو غالط.
الثامن: ظهور أن الذام بنى ذمه على حجة لا على أمر حمله على وجه مذموم وإنما وقع على وجه سائغ.
التاسع: ظهور أنه لم يكن للمتكلم فيه عذر أو تأويل فيما أنكره الذام.
العاشر: ظهور أن ذلك المقتضي للذم لم يرجع عنه صاحبه. والمقصود بالظهور في هذه المواضع الظهور الذي تقوم به الحجة.
وقد يزاد على هذه العشرة، وفيها كفاية".
فهذه الأمور إذا اختل واحد منها لم يثبت الذم، وهيهات أن تجتمع على باطل". انتهى كلامه يرحمه الله. أهذا منهج صحيح أم هو تكلف وتعسف؟ إذا لم يكن فما قولكم فيما تعلمه من تكفير غير واحد من الأئمة والذي (ثبت ولايحكى) من إمام آخر؟
ثم لنتناقش –أخي الفاضل- حول ما ذكرتم على ضوء ما سبق بإنصاف، لا تحامل فيه ولا اعتساف.
ولنبدأ بما ذكرتموه حول النقول عن الشافعي، وأسأل الله أن يوفقني وإياك للصواب.
ولعل ردي السابق المتعلق بهذا الصدد أبنت فيه أن جل ما نقله الأخ الفاضل حنبل عن الشافعي ثابت، إلاّ ما بينته ولعله كما أعدت النقول التي ذكرها الأخ حنبل وفقه الله أعيد ما ذكرته هنا من تعقيب عليها:
"أما الشافعي فكلامه في التغبير ثابت بنصه أو نحوه، وقد عرضت ما يكفي جواباً على استدلالك به فإن كثيراً من أئمة التصوف المتقدمين ومن معاصريه لم يقعوا فيه بل حذر بعضهم منه. وعليه فإن الزنادقة الذين عناهم ليس فيهم من سمي لك، وأنت تقول الصوفية متقدمهم ومتأخرهم زنديق، والشافعي يقول من أحدث التغبير زنديق، وقد تبين أنه لم يحدثه أئمتهم المتقدمين والحمد الله. وقد خالف الإمام الشافعي في حكمه على التغبير غيره من الأئمة ولعله تأت الإشارة إليه. وأما الآثار الباقية فصحيحة غير أثر ابن المولد فهو مرسل بينه وبين الشافعي أكثر من قرن، وأثر ابن الجوزي لم يذكر سنده، وكل هذه الآثار لاتدل على ما ذهبت إليه من حكم على القوم بالقبورية والزندقة، ولاسيما متقدميهم، وكلام الشافعي يحمل على طوائف من الجهال، وليس فيه حتى تبديع لهؤلاء الجهال الذين فيهم المبتدع حقاً! "
قال حارث الهمام: ولازلت بحمد الله عند هذا القول.
¥