تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم قلتم: "فأخبار الصحابة وفتاويهم ليس لجلّها أسانيد متّصلة، وكذلك السِّيَر والتواريخ والأشعار والمذاهب الفقهيّة وكتب الأئمّة أين أسانيدها؟ إننا إذا أردنا أن نمحّص كل ذلك على طريقة الأخ حارث همام فلن يمكننا الأخذ بأقوال مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغبرهم! فأين أسانيد أقوال مالك وفقهه؟ وأين سند كتاب الأم للشافعي؟ والرّواة لمذهب أبي حنيفة هما الحسن بن زياد اللؤلؤي ومحمد بن شجاع الثلجي ولم يُوثّقهما أحدٌ من العلماء ويمكنك مراجعة لسان الميزان لابن حجر".

سبحان الله!

ومن قال للناس احتجوا في دينكم بما لم يثبت، إذا لم تثبت لكم الفتوى عن الصحابي أو تبين لكم ضعف نسبتها إليه فكيف تسندونها إليه؟ لا أخالفك في أنها تنسب، ولكن هل تكون تلك النسبة حجة لك في ترجيح قول أو النقل عن أصل مستقر ثابت الأصل استصحابه؟

بيد أن في كتب أهل العلم بحمد الله نقل كثير من علمهم وفتاواهم وأقوالهم بالأسانيد المقبولة وأما ماعداها مما لم تصح نسبته إليهم فلا ينسب إلاّ على سبيل النسبة بما يذكر من غير أن ترتب عليها الأحكام والاختيارات التي تتعبد الله بها.

واعلم أخي الكريم أنكم في هذا الكلام:

1 - خرقتم الإجماع المنعقد على خلافه، فقد قال سائر أهل العلم وجماعة أصحاب الحديث في كل الأمصار أن الإنقطاع في الخبر علة في إيجاب العمل به، سواء عارضه خبر متصل أو لا نقل هذا الإجماع غير واحد منهم ابن عبدالبر ومنهم ابن القطان تجده في الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 67).

2 - ثم كأني بكم خلطتم والله أعلم في كلامكم بين مسألة نسبة الكتب إلى الأئمة، ونسبة الأقوال، أما نسبة الكتب فهي على ضربين:

الأول: كتب عُلمت صحة نسبتها إلى أصحابها، كالموطأ للإمام مالك، والمدونة لسحنون، فهذه عليها المعتمد في نقل أقواله ولايطعن فيها عاقل. وكذلك نسبة كتاب الأم للإمام الشافعي من رواية الربيع بن سليمان وكذا كتب أصحاب السنن والصحاح والمسانيد وغيرها.

فتلك نقلت عن رواة معروفون، ونسخت، ثم تناقلتها الأجيال من بعدهم جيلاً عن جيل يقتنيها أهل العلم وينتقل المخطوط من يد إلى يد إلى حين يطبع.

وضرب آخر من الكتب لم تثبت نسبتها بسند صحيح إلى مؤلفيها رغم تناقل الأجيال لها، مثل رسالة الاصطخري التي ينقلها عن الإمام أحمد، ووصية الإمام أحمد إلى مسدد بن مسرهد البصري من رواية البردعي، وعقيدة الإمام الشافعي التي يرويها أبوطالب العشاري. ونحو هذه الرسائل التي لم تجي أصلاً من طريق ثابت صحيح، كطريق الاصطخري، والبردعي، وأبي طالب العشاري، رغم اشتهارها وضع خطاً تحت اشتهارها فهذه مشتهرة بحق وبنصوص الأئمة.

فهذه الأخيرة مع ذلك تباينت فيها مناهج المحققين من أهل العلم، فبينما يقبلها بعضهم ويعول عليها في النسبة إجمالاً لايقبلها آخرون، فالرسائل السالفة يستأنس بها شيخ الإسلام والإمام ابن القيم وينسبانها -بناءً على الاستفاضة- منها (بعض) الأقاويل للأئمة بها. ويقبلونها جملة لا بكل تفاصيلها.

وهذا هو المنهج الذي يبدو للمتأمل أنه الحق فإن تناقلها مع اشتهارها بين أهل العلم من دون نكير دليل على إقرارهم ما فيها وعلى قبولها في الجملة، بيد أن هذا لايعني قبول كل الأقوال المفصلة فيها، فقد يكون فيها ما لم يضبط أو لم يفهم أو نقل على غير وجهه، وهذا يعرف بتتبع أقوال الإمام الأخرى، شأنها مثل شأن صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في التفسير. فله واسطة معلومة قد يأخذ من غيرها، وكذلك ما مثلتم به وذكرتم أنه ليس له سند (!) وهي صحيفة عمر رضي الله عنه في القضاء، من طريق سعيد عن جده، وقد علم أن سعيدا يأخذ من والده. وهذا كاف إن كنتم على رأي من لايقبلون الرواية بالوجادة مطلقاً (وهذا الرأي في نسبة الكتب سبق لي نقاشه مع أحد المشايخ الأفاضل ممن يرون الرأي الآخر –عدم صحة النسبة مطلقاً- في هذا المنتدى المبارك يمكن الرجوع إليه). فالشاهد هذه الكتب ينجبر ضعف بعض رواتها أو جهالتهم بتلقى الأجيال لها، إلاّ ما استنكر فيها فلابد أن يثبت هذا عمل طائفة ولعله هو الصواب. ثم إن تلقى أهل العلم لها بالقبول إما أن يكون إجماعاً أو لايكون، فإن كان فلا يلحق ما أجمعوا عليه وأجماعهم حجة بما لم يجمعوا عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير