تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الرأي الآخر فيميل إليه طائفة من المحدثين من أمثال الإمام الذهبي وهو أن تلك الكتب (كنحو التي أشير إليها) لاتقبل ولاتصح نسبتها إلى الأئمة بمثل ذلك أصلاً، ولهذا قال معقباً على وصية الإمام أحمد والتي نقلها ابن عبدالله وغيره قال: "فهذه الرسالة إسنادها كالشمس فانظر إلى هذا النفس النوراني، لا كرسالة الاصطخري، ولا كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبدالله، فإن الرجل كان تقياً ورعاً لا يتفوه بمثل ذلك، ولعله قاله. وكذلك رسالة المسيء في الصلاة باطلة وما ثبت عنه أصلا وفرعاً ففيه كفاية" ويظهر أن هذا خلاف لمنهج شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية وشمس الدين ابن القيم الذين مع معرفتهما بهذا الشأن بل مع إمامتهما فيه يحتجان بتلك الرسائل في الجملة. اللهم إلاّ بعض العبارات كإثبات الفم لله ونحو ذلك مما يتوقف فيه أهل السنة لعدم وروده، فهذا يبعد أن يقول به الإمام أحمد وإن جاء في بعضها فهذا يرد خاصة ويقال أخطأ فيه الراوي وهو محل للخطأ أو مجهول أو نحو ذلك. فإن قبول أهل العلم وتناقلهم لها بغير نكير يشير إلى صحتها إجمالاً.

وبعد هذا كله فإن هذا شيء وما نحن فيه صدد آخر، فالعبارة محل النزاع عن الإمام مالك لم تؤثر عن كتاب مختلف في نسبته إليه، ولو قلت لك أثبت أن كتاب ترتيب المدارك –بالسند المتصل غير الشاذ أو المعلل- هو للقاضي عياض لحق لك أن تعترض بمثل ما ذكرت.

وإنما خلافي معك في أثر معلق بينه وبين صاحبه قرون.

فهبه يروي عن التنيسي الثقة [ولي تعليق على هذا يأتي] فالخبر علقه القاضي عياض، ومعلقات الكتب الأشهر والتي ألفها أئمة أثقل وأجل في هذا الشأن من عياض وأقرب إلى عهد الرواة لاتقبل فكيف بمعلقات ومعضلات ومنقطعات القاضي في القرن السادس؟!

والحاصل إذا أردت أن تستأنس بالأشعار والأقوال فلك ذلك، أما إذا أردت أن تحتج بها في الكفر والإيمان، والبدعة والفسوق، والحلال والحرام عند منازع لك في بعضها فأنت مطالب عندها بالتثبت، ولهذا أنكر أئمتنا ما يروى من قول الأخطل –أو غيره:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ...

وقول الآخر:

قد استوى بشر على العراق ...

لما جاءت في موضع الاستدلال والاعتقاد.

أما مجرد الرواية فلا يعني الاحتجاج والاستدلال، وهل تقرر حكماً بحديث ليس له سند [ولا أقول فيه ضعف] اشتهر؟

وأما قولهم: "شهرته تغني عن إسناده" في بعض الآثار النبوية فربما احتمل هذا لحديث علم سنده وإن كان ليس بذاك فتلقى الأئمة له بالقبول دون نكير ربما دل من لم يقف على أسانيده بأن أصله هذا يتقوى بغيره، فإن وجد من هذا شيء كان قبوله أقرب لقبول الإجماع الذي لم يعرف أصله، كما قالوا في تحريم القرود من غير أثر ولانظر.

ومع ذلك تجد نزاع أهل العلم في هذا كثير ومخالفتهم حتى في المثال المنقول على الرغم من أن له أصلاً، فكيف بأثر لا سند له! وهل وجدت أثراً واحداً لايعرف له سند يعرف قالوا شهرته تغني عن إسناده؟

أما أثر ابن عمر فغريب ما ذكرتم –بورك فيكم- من أنه لاسند له! ألا ترى ابن القيم يصدر ذكره في الموضع الذي أحلت عليه بذكر سنده؟! ثم هلا دللتني أين قال رحمه الله شهرتها تغني عن إسنادها؟ فقد راجعت كلامه على عجل ولم أجده في هذه الصحيفة فأرشدني إليه مشكوراً. علماً بأنه قد قالها في مواضع أخر كلها لها أسانيد ربما كانت واهية ترقى إلى الحسن بمجموعها عن طائفة من أهل العلم.

ولعله يغني المنصف عن الخوض في هذه المسائل هنا كون هذا الأثر لايعرف له سند أصلاً بين القاضي عياض –وهو يروي الصحيح والسقيم- وبين من نسب إليه أياً كان.

بل لم يقل أحد من أهل العلم أو الأئمة المعتبرين بأن الأثر الذي نحن بصدده شهرته تغني عن إسناده!!

بل هل تعلم بأن بعض فقهاء المالكية ينص على جواز ما أنكر فيه كأبي العباس الصاوي صاحب الحاشية على الشرح الصغير! فهل ضل عن المالكية قول إمامها المشتهر؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير