تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أخي الكريم لو سلكت هذا المسلك في الحكم على مثل هذه الآثار فماذا تقول لمن يجيئك فيذكر لك ما أورده ابن القيسراني المقدسي (محمد بن طاهر)، في صفوة التصوف محتجاً به على صحة سماع الصوفية، وعن مالك نفسه! فقد ذكر عن مصعب الزبيري قال حضرت مجلس مالك بن أنس فسأله أبومصعب عن السماع فقال: ما أدري، أهل العلم ببلدنا هذا لاينكرون ذلك، ولايقعدون عنه، ولاينكره إلاّ غبي جاهل أو ناسك عراقي غليظ الطبع؟!. [انظره ط المنتخب العربي ص328 - 329].

وماذا تقول لمن يجيئك فيروي لك أثر الإمام أحمد لما سئل عن الصوفية فقال لا أعلم أقواماً أفضل منهم! قيل إنهم يستمعون ويتواجدون؟ قال دعهم يفرحون مع الله ساعة!

سبحان الله! أيقبل مثل هذا بحجة الاستفاضة لأن بعض الفقهاء ذكره وتكرر ذكره عندهم [أستطيع أن أنقله عن خمسة كتب –لا اثنين- بدون بحث وعناء].

ثم أنتم قلتم بارك الله فيكم: "نعم إذا كانت المسألة تتعلّق بالحكم على مسلم بالكفر أو الزندقة ولم تكن مشهورة ومستفيضة فعندها ينبغي علينا التحرّي وتوخّي ثبوت المسألة".

وهذا فيه حق. إذ التثبت مطلوب حتى وإن استفاض الخبر وانتشر، ولهذالم يعذر من وقع من أفاضل الصحابة في حادثة الإفك وحُد إلاّ من عُفي عنه، مع أن الخبر مستفيض منتشر! واقرأ –حفظك الله- قول الله تعالى-ولن تعدم أجر القراءة بقلب حاضر-: (ولولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين * ولو لا جاءوا بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون * ولولا فضل الله عليكم ورحمته لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين).

(إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).

فما استفاض ولم يثبت عن شخص فلا يحكم به عليه، وإن كان الأمر حداً لايتجاوز كونه عقوبة دنيوية، فكيف بالأحكام العظام كأحكام التكفير والزندقة والتبديع، أخي الكريم البينة على المدعي، والاستفاضة إذا لم يكن لها مستند ليست بينة.

وكم من عَلَمٍ إمام استفاضت عنه أمور بين العوام بان بطلانها وثبت كذبها.

بل النبي صلى الله عليه وسلم الذي من كذب عليه متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ما أكثر ما اشتهر عنه وهو باطل ليس له أصل إليه.

مسألة الراوي أهو التنيسي أو النصيبي أم كلاهما؟

أما قولك بأن القصة رواها القاضي عياض عن التنيسي فمبناه عندكم على:

1 - الطبعة المغربية -وليست عندي- للمدارك جاء فيها ذكر التنيسي ومع أني من ثقة في نقلكم إلاّ أن مراجعتها مهمة على الأقل لنعرف الأصول المخطوطة المعتمدة عندهم فلعله تتيسر مراجعتها.

2 - نقل فقيهين من فقهاء المالكية لها عن التنيسي.

3 - نقل بعض المعاصرين لها كذلك. وهذا لا دلالة فيه إذ النقل عن ما أشير له في (1) و (2)، ولذلك أزيدك مع من ذكرتم محمد أبو الأجفان في جمعه لفتاوى الشاطبي ص251. فكل هؤلاء ينقلون عن المطبوع.

ولعله ربما كان لكلامكم وجاهة، ولكن الجزم بهذا موقوف على الوقوف على مخطوط جيد لترتيب المدارك.

أما استبعادي لرواية التنيسي لها فلأن:

1 - طبعات المدارك التي رأيتها كطبعة دار الحياة بيروت مع دار الفكر طرابلس ص180 جاء فيها المسيبي وهذه في الخط شبيهة بالنصيبي يسهل التصحيف فيها وليست شبيهة بالتنيسي فالميم قد تختلط بالصاد والنقط ولاسيما المغربي مشكل وإن كانت نسخة المخطوط واضحة لارطوبة فيها ولا أرضة لحقتها، فلا عجب إذا أخطأ أحدهم فجعلها التنيسي لكونه معروف بالرواية عن مالك.

2 - ولأن ابن الجوزي أورد الخبر على النصيبي وابن الجوزي ينقل عن أصوله وحسبك بالأصول في عصره نفاسة لقرب العهد، ويبعد أن يكون ابن الجوزي وقف على رواية –أنتم تزعمون أنها مستفيضة مشتهرة- عن التنيسي ثم ينقل بعدها عن النصيبي الذي ذكره في الضعفاء والمتروكين وقال منكر الحديث. والتنيسي يبعد اختلاطها بالنصيبي على المحققين.

3 - أن ابن الجوزي سماه عبدالملك بن زياد وهذا هو النصيبي فلا احتمال آخر، بينما النسخ الأخرى التي أشرتم إليها لم تذكر إلاّ الاسم المحتمل وقوع التصحيف فيه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير