أما قولكم –أحسن الله إليكم-: "وبالمناسبة إنّ الأخ حارث اعتمد على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في نفي حدوث هذا الرقص الصوفي في القرون الثلاثة الأولى. والذي أفهمه من كلام ابن تيميّة أنّه يقصد قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولا يقصد المئة الأولى والثانية والثالثة! وكما تعلم فإنّ الإمام مالك هو من تابع التابعين وقد ولدَ سنة 93هـ فتنبّه".
أقول: شكر الله لك وكثر فوائدك، هذا كلام جيد وتصويب وجيه، وكما تفضلتم فإن الإمام مالك من كبار تبع التابعين كسفيان عليهما رحمة الله، وهو داخل في القرون المذكورة فيشملهم نفي شيخ الإسلام فلا ينتقض الاعتراض بما ذكرته والحمد لله غير أني أحببت أن أشكر لك التنبيه وأنبه على أنه لم يفد في خرم ما قررته على قول شيخ الإسلام شيئاً.
ثم قلت بورك فيك: "وأُحبّ أنْ أنبّه الأخ حارث أنّه قد ارتكبَ خطأً عند كلامه على الشيخ الجُنيد، فقد سَرَدَ أقوال العلماء الذهبي وابن النجار والسمعاني في ترجمة أبو القاسم الجنيد المحدّث المعروف المتوفّى سنة547، ولكنّه جَعَلَها في ترجمة الجُنيد صاحب السري السقطي المتوفى سنة 298!!
وهذا خلط عجيب لا ينبغي أن يصدر منه وخصوصاً وهو يتحدّث عن الإسناد والتثبّت! وجلَّ من لا يُخطئ".
وأقول: جزاك الله خيراً على التنبيه فقد أصبتَ وأخطأتُ فشكر الله لك التنبيه.
ولهذا الخطأ قصة فوالله ما تعمدته، ولا أذكرها ليفهم منها تبريري بها فهذا خطأ لم أتنبه له فجزاك الله خيراً على تنبيهي فتنبهوا أيها الناس.
غير أن ثناء الأئمة كالذهبي وغيره على الجنيد بن محمد سيد الطائفة كثير فلا يؤثر هذا في موضوعنا.
ثم قلتم: "ولكن المشكلة أنّ القرّاء ظنّوا أنّ الشيخ الجنيد هو من المحدّثين والأئمة والأصوليين. والأمر ليس كذلك لأننا إذا رجعنا إلى ترجمة الذهبي للجُنيد سنجده يقول: (الجنيد بن محمد بن الجنيد النهاوندي ثم البغدادي القواريري، والده الخزّاز هو شيخ الصوفيّة، وتفقه على أبي ثور، وسمع من السري السقطي وصحبه ... إلخ انتهى ثمّ ذَكَرَ بعض ما قيل فيه من الثناء وروى بعض أقواله.ولكنّه لم يصفه بالإمام القدوة والمحدّث كما فعل مع الجنيد القايني".
أما ظنهم فإن صدق ما قلته فهو ظن صحيح مطابق للواقع! وإن كان طريق إثباته بذاك النقل عن الذهبي ليس بصحيح.
وقد وصف الجنيدَ الذهبيُ نفسه بأنه ممن أتقن العلم (السير 14/ 66)، فليس في هذا الظن باطل، ونقل إفتاؤه في حلقة أبي ثور –وناهيك به- وهو في العشرين فئام، ونقل عن الخلدي قوله: لم نر في شيوخنا من اجتمع له علم الجنيد، كانت له حال خطيرة، وعلم غزير، إذا رأيت حاله رجحته على علمه، وإذا تكلم رجحت علمه على حاله.
ثم قال الذهبي في ختام ترجمته: "رحمه الله وأين مثل الجنيد في علمه وحاله". فهلا أشرت إليه غفر الله لك.
وأما وصفه بالإمامة فما قيل فيه أكثر مما قيل في المحدث الذي نقلت عنه قال عنه شيخ الذهبي شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن الجنيد قدس الله روحه، كان من أئمة الهدى". وقال: "والوقوف عند هذا الجمع، هو الذي أنكره الجنيد وغيره من أئمة طريق أهل الله أهل الحق".
أرأيت كيف كانت النتيجة واحدة والظن الذي انقذف في ذهن من انقذف صحيح؟ بل ربما كان دون قدر الإمام الجنيد قدس الله روحه!
أما قولكم –حفظكم الله-: "وفي الختام: إنّ الصوفيّة مذ ظهرت في الإسلام لم تكن مرضيّة ولم يسلكها الأئمّة المتّبعون، وإنّما نُسِبَ إليها أشخاص أفاضل أمثال الفُضيل وبشر الحافي ولا شأن لهم بها، كما أنّه إنتَسَبَ إليها رجالٌ عبّاد وزهّاد وأهل صدق وصلاح أمثال الجنيد والسري السقطي وتَنَزّهوا عن كثيرٍ من أفعال الصوفيّة المخالفة للشرع ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ باقي رجال الصوفيّة الذين هم من طبقتهم كانوا على حالٍ مُرْضِيَة، والصحيح إطلاق الذم على الصوفيّة واستثناء أمثال الجنيد. على أنّه لا يمكن أن نتجاهل كون الجنيد أو السري أو المحاسبي قد خاضوا في أمور محدثة ليست من الدين وقد تسبب ذلك في إحداث خَرْقٍ في الدين مازال يتّسع حتى ادّعى الحلاج ـ وهو صاحب الجنيد ـ الحلولَ والاتحاد".
¥