وكذلك حدثني الشيخ أبو الحسن بن غانم، أنه سمع خاله الشيخ إبراهيم بن عبد الله الأرومي، أنه كان له معلم يقرئه، وأنه أقرأه اعتقاد الأشعرية المتأخرين، قال: فكنت أكرر عليه، فسمع والدي والشيخ عبد الله الأرميني، قال فقال: ما هذا يا إبراهيم! فقلت هذا علمنيه الأستاذ. فقال: يا إبراهيم أترك هذا، فقد طفت الأرض واجتمعت بكذا وكذا ولي لله، فلم أجد أحداً منهم على هذا الاعتقاد، وإنما وجدته على اعتقاد هؤلاء. وأشار إلى جيرانه أهل الحديث والسنة من المقادسة الصالحين إذ ذاك.
وحدثني أيضا الشيخ محمد بن أبي بكر بن قوام، أنه سمع جده الشيخ أبا بكر بن قوام يقول: إذا بلغك عن أهل المكان الفلاني -سماه لي الشيخ محمد- إذا بلغك أن فيهم رجلاً مؤمنا، أو رجلا صالحا فصدق، وإذا بلغك أن فيهم ولياً لله فلا تصدق!
فقلت: ولم يا سيدي؟
قال: لأنهم أشعرية.
وهذا باب واسع ومن نظر في عقائد المشايخ المشهورين؛ مثل الشيخ عبد القادر، والشيخ عدى بن مسافر، والشيخ أبي البيان الدمشقي وغيرهم، وجد من ذلك كثيراً، ووجد أنه من ذهب إلى مذهب شيء من أهل الكلام وإن كان متأولاً ففيه بعض نقص وانحطاط عن درجة أولياء الله الكاملين، ووجد أنه من كان ناقصاً في معرفة اعتقاد أهل السنة واتباعه ومحبته وبعض ما يخالف ذلك وذمه بحيث يكون خالياً عن اعتقاد كمال السنة واعتقاد البدعة، تجده ناقصاً عن درجة أولياء الله الراسخين في معرفة اعتقاد أهل السنة واتباع ذلك وقد جعل الله لكل شئ قدراً".
أفلا يحسن أن يستفاد من مثل هذا في الدعوة عوضاً عن الخوض فيما لايجدي؟!
وقال: "والمقصود هنا أن المشايخ المعروفين الذين جمع الشيخ أبو عبد الرحمن أسماءهم في كتاب طبقات الصوفية، وجمع أخبارهم وأقوالهم، دع من قبلهم من أئمة الزهاد من الصحابة والتابعين الذين جمع أبو عبد الرحمن وغيره كلامهم في كتب معروفة، وهم الذين يتضمن أخبارهم كتاب الزهد للإمام أحمد وغيره، لم يكونوا على مذهب الكلابية الأشعرية، إذ لو كانت كذلك لما كان أبو عبدالرحمن يلعن الكلابية". [قال حارث الهمام: ولم يذكر الأشعرية لأنه لم يدرك أوان انتشارهم أشار إليه شيخ الإسلام في موضع آخر].
ثم قال: "وقال شيخ الإسلام الأنصاري: سمعت أحمد بن حمزة، وأبا علي الحداد يقولان: وجدنا أبا العباس أحمد بن محمد النهاوندي، على الإنكار على أهل الكلام، وتكفير الأشعرية، وذكرا عظم شأنه في الإنكار على أبي الفوارس القرمسيني، وهجر ابنه إياه لحرف واحد.
قال شيخ الإسلام سمعت أحمد بن حمزة يقول: لما اشتد الهجران بين النهاوندي وأبي الفوارس، سألوا أبا عبد الله الدينوري فقال لقيت ألف شيخ على ما عليه النهاوندي.
وقد ذكر الشيخ أبو عبد الرحمن السلمى في كتابه في ذم الكلام ما ذكره أيضا شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري، فقال أخبرني ابن أحمد، حدثنا محمد بن الحسين، فقال رأيت بخط أبي عمرو بن مطر يقول: سئل ابن خزيمة عن الكلام في الأسماء والصفات. فقال: بدعة ابتدعوها ولم يكن أئمة المسلمين وأرباب المذاهب وأئمة الدين مثل مالك وسفيان والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ويحيى بن يحيى وابن المبارك ومحمد بن يحيى وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي يوسف يتكلمون في ذلك، وينهون عن الخوض فيه، ويدلون أصحابهم على الكتاب والسنة، فإياك والخوض فيه والنظر في كتبهم بحال ... ".
فهل يقال إن هؤلاء مبتدعة لأقاويل تحكى وأخبار لم تحقق؟
5/ 61: "وقال الإمام العارف معمر بن أحمد الأصبهانى شيخ الصوفية في حدود المائة الرابعة في بلاده، قال: أحببت أن أوصى أصحابي بوصية من السنة، وموعظة من الحكمة، وأجمع ما كان عليه أهل الحديث والأثر بلا كيف، وأهل المعرفة والتصوف من المتقدمين والمتأخرين، قال فيها: وإن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل، والاستواء معقول، والكيف فيه مجهول، وأنه عز وجل مستو على عرشه بائن من خلقه، والخلق منه بائنون بلا حلول ولا ممازجة ولا اختلاط ولا ملاصقة، لأنه الفرد البائن من الخلق الواحد الغنى عن الخلق.
وان الله عز وجل، سميع، بصير، عليم، خبير، يتكلم، ويرضى، ويسخط، ويضحك، ويعجب، ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكا، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف شاء، فيقول: هل من داع فاستجيب له؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ حتى يطلع الفجر، ونزول الرب إلى السماء بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل، فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال، وسائر الصفوة من العارفين على هذا" أهـ.
أهذا اعتقاد المبتدعة؟
وبعد ثانياً فإن مج فاه تلك الدعوى السمجة فقال شذ شيخ الإسلام وانفرد بهذا الرأي من بين أئمة السنة. فلله ما أعرضها من دعوى، كبرت كلمة عهدناها تخرج من أفواه المبتدعة يرمونه بها في كل مسألة حققها كالزيارة. إن يقولون إلاّ كذباً.
قيل لصاحبه:
أولاً: هبه انفرد فأين الدليل ومع من؟
ثانياً: إذا انفرد شيخ الإسلام فحق له وحق لمن تبعه أن يتبعه، فهو إمام يضاهي الأئمة الأوائل بشهادة من ترجم له من أهل العلم والمعرفة ولاسيما في باب الاعتقاد ومعرفة الملل والنحل إن لم يفقهم.
ثالثاً: بل هذا هو قول المحققين من أهل العلم قديما وحديثاً.
فإن قيل تلك دعوى! قيل هذا البرهان:
الرد التالي فيه بيان ذلك، وأسأل الله أن ييسر تعليقه قريباً، والحمد لله أولاً وأخيراً
¥